بقلم : السيد نبيل الحسني.
لم يترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمة حتى دلهم على السفينـة التي تنجيهم من طوفان الفتن التي أقبلت عليهم كقطع الليل المظلم، فقال:
1 ـ ((إن مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ))(1).
بل ..
ولم يفارقهم حتى ترك فيهم ما يعصمهم من الضلال من بعده، فقال:
2 ـ (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبـل ممدود مـن السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ))(2) .
ولم يزل يكرر ذلك مراراً ، ويذكرهم بالقرآن وعترته تكراراً ، ولاسيما في شهوره وأيامه الأخيرة معهم .
فقال -كما أخرجه مسلم في صحيحه ، عن زيد بن أرقم ، قال- :
( ... قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خم ، بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ثم قال : أما بعد :
«ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» ، فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ))(3).
ولكن أهل الفتن لم يدعوا حرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حياً أو ميتاً فعمدوا على تظليل المسلمين فوضعوا لهم حديثاً مشابهاً ونسبوه إلى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو : ( كتاب الله وسُنّتي ) ، ولكن .. نسى أولئك {أن الله متم نوره ولو كره الكافرون} فالحديث .. من حيث السند هو: واه، وفيه: ((ابن أبي أويس وأبيه)).
وقال فيهما يحيى بن معين : ضعيفان ويسرقان
الحديث !!
وقال أبو حاتم في الابن ، أي ابن أبي أويس ، قال : كان مغفلاً .
وقال النسائي: ضعيف، وفي موضع آخر، قال: ليـس بثقة(4).
وللحديث طريق آخر أخرجه الحاكم، وهو ضعيف
أيضاً!؟ لأن فيه: (صالح بن موسى الطلحي).
وقد قال فيه الذهبي: ((ضعيف)) وقال يحيى بن
معين: ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: ((منكر الحديث)) ، وقال النسائي: ((متروك))(5).
أما من حيث المتن: فالمعنى من السُنّة يتعارض مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم بافتراق الأمة، بمعنى: إن حديث «كتاب الله وسُنّتي» يتعارض مع قوله: «ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة»
وذلك أن جميع المسلمين هم على الكتاب والسُنّة وكل فرقة منهم أخذت شرعها منهما، أي من الكتاب والسُنّة فإذا كانوا على الكتاب والسُنّة!؟ فلماذا كل هذه الفِرَق في النار إلا فرقة واحدة.
فضلا عن ذلك فإن السُنَّة بضم السين وفتح النون مع التشديد هو في اصطلاح المتشرعة على معنيين ، الأول : قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفعله وتقريره ، بل المطلق من هديه صلى الله عليه وآله وسلم .
وأما المعنى الثاني: هو العمل المستحب الذي يواظب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على العمل به ويحض المؤمنين على القيام به، وهو دون الواجب، وفوق الندب، كالخنتان والصلاة بالجماعة وكتحية المسجد، وفعل النوافل المرتبة وغيرها وهذا المعنى للسُنَّة يضعنا أما حالتين:
أما : إن المسلمين لم يتبعوا فعل النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقوله في التمسك بكتاب الله وعترته وأهل بيته عليهم السلام فضلوا وتفرقوا إلى هذه الفرق، وتركوا الركوب في سفينتهم فغرقوا كما بين لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وأما: إن المسلمين قد اتبعوا غير سُنّة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ولزموا سُنَّة غيره فتفرقوا.
وإلاَّ..
لا معنى للكلمة: ((لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي)) وحالهم اليوم يحكي عن الفرقة إلى ثلاث وسبعين!!
وكيف ينسجم عدم الضلال مع دخول هذه الفرق إلى النار!!؟ إلا فرقة واحدة.
إذن :
الحديث الصحيح الوارد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو : (( كتاب الله وعترتي أهل بيتي )) .
وقد أخرجه الحافظ بألفاظ متعددة ، وطرق كثيرة ، ولكثرتها حاول البعض تضعيف أحد هذه الطرق أو التشكيك فيما أخرجه مسلم كابن تيمية الذي شكك في نسبته الى رسول الله بعد أن اصطدمت بصحة اسانيده وكثرت طرق روايته، لكن هذه المحاولات فشلت ويكفي في ذلك ما رد به محدث السلفية المعاصر الألباني: ((قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهداً من حديث زيد بن أرقم ، قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خم بين مكة والمدينة ... )) .
وذكر الالباني الحديث كاملاً، مع مواضع وروده(6).
ويكفيك أيها المسلم يقيناً بصحة هذا الحديث ، وروده في صحيح مسلم ، والترمذي ، ومسند أحمد وغيرهم ، فالكتاب يقصر عن جمعهم .
وكيف لا؟ وقد رواه خمسة وثلاثون صحابياً.
إذن:
لم يترك النبي صلى الله عليه وآله هذه الامة المرحومة به وبآل بيته(عليهم السلام) دون أن يضع لها ما يجنبها من الوقوع في الهاوية ويوضح لها الطريق الذي يعصمها من الضلال والانحدار فتكون ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا فرقة واحدة.
فضلا عن انه كان يعلم بما سيحدث من بعده وما سيؤول اليه امر كثير من اصحابه كقوله لهم: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»[7] ؛ وكأحاديث الحوض وذودهم عنه بسياط من نار ، وغيرها ولانه حريص عليهم فقد قام بامور اخرى غير التي مرَّ ذكرها وهو في شدة المرض ، فصلى الله عليه وآله في كل آن ومكان بما أوفى لأمته من النصح والبيان.[8]
الهوامش:
(1) : المستـدرك للحـاكـم : ج3 ص151 ، مجمـع الـزوائـد
للهيثمي : ج9 ص168 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص
113 ، الخصائص الكبرى للسيوطي : ج2 ص66 ، الصواعق المحرقة لابن حجر : ص184 ، روح المعاني للآلوسي : ج25 ص29 ، حلية الأولياء لابن نعيم : ج4 ص306 ، كنوز الحقائق للمناوي ص141 ، ثمار القلوب : ص29 ، رشفة الصادي للحضرمي : ص79 ، ينابيع المودة للقندوزي : ص27 .
(2) صحيـح الترمذي ، كتـاب المناقـب : ج5 ص663 برقـم3788،
المستدرك على الصحيحين للحاكم : ج3 ص184 .
(3) صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب : فضائل علي بن أبي طالب وابن أبي عاصم في السنة : 1550-1551 ، والطحاوي في شكل الآثار : ج4 ص368 ، وإمام الحنابل في المسند : ج4 ص366-367 .
(4) : تهذيب الكمال للمزي : ج3 ص127 .
(5) شرح أصول اعتقاد أهل السنة لأبي القاسم اللالكائي
السلفي : ص8 بحقيق أحمد سعد .
(6) راجع بعض موارد الحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني: ج4 ص355-358.
[7] صحيح البخاري ، كتاب العلم ، باب : الانصات للعلماء: ج1 ص38 طبع دار الفكر.
[8] لمزيد من الاطلاع ، ينظر: وفاة رسول الله صلى الله عليه واله وموضع قبره وروضته ببين اختلاف أصحابه واستملاك ازواجه ، السيد نبيل الحسني: ص74 – 77 ، اصدار العتبة الحسينية المقدسة ، الطبعة الأولى مؤسسة الاعلمي لسنة 2014م.