كاشفية خطاب الإمام علي عليه السلام عن عقائد العرب قبل الإسلام  الحلقة السادسة: علاقة طائر الغراب بعقيدة العيافة قبل الإسلام وبعده.

مقالات وبحوث

كاشفية خطاب الإمام علي عليه السلام عن عقائد العرب قبل الإسلام الحلقة السادسة: علاقة طائر الغراب بعقيدة العيافة قبل الإسلام وبعده.

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 20-10-2022

بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والصلاة والسلام على ابي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين.

أما بعد:

وقد نال طائر الغراب من بين الطيور الحيز الأكبر في التطير والعيافة حتى بدا ذلك واضحاً في شعر العرب، ومنه.

1 - قول عنترة بن شداد وتطيره من الغراب:

ظعــن الذيــن فراقهــم أتوقع

خرق الجناح كأن لحي رأسه

فــزجـرته ألا يـفــرخ عـشّـــه

إن الذين نعبت لي بفراقهم

 

وجرى بينهم الغراب الأبقع

جلمان، بالأحبار هش مولع

أبدا، ويصبح واحدا يتفجع

قد أسهروا ليلى التمام فأوجعوا[1]

 

2- وتوجس النابغة أن يترحل عنه أحباؤه لما سمع نعيق الغراب.

زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا

 

وبذاك خبّرنا الغداف الأسود[2]

3- شماتة يزيد بن معاوية بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمسكه بالتطير.

ومن النصوص ما يكشف عن سريان هذه العقيدة في المجتمع العربي-كما أسلفنا- حتى بعد مجيء الإسلام، فها هو يزيد بن معاوية يخاطب الغراب حينما أشرفت سبايا آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اللاتي ساقهنَّ واليه على الكوفة عبيد الله بن زياد (عليهما لعائن الله تعالى) وهنَّ (عليهنَّ السلام) بتلك الحالة المفجعة لكل غيور ومعهنَّ الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الذي أكلت قيود الحديد من لحم رقبته ويديه، فيقف يزيد منتشيا من سكرة الشماتة بالنبي وآله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخاطب الغراب قائلاً، وهو ينظر إلى سبايا آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):

لما بدت تلك الحمول وأشرقت

نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل

 

تلك الرؤوس على ربا جيروني

فلقد قضيت من الرسول ديوني[3]

4- تطيّر بعض شعراء بغداد في الصراع بين الأمين والمأمون.

ونجد هذه العقيدة مستمرة في الظهور كذلك في القرن الثاني للهجرة وذلك حينما اشتد الخلاف بين الأمين والمأمون العباسيين في صراعهما على الخلافة حتى كادت بغداد تخرب بكاملها، فقال بعضهم:

 

من ذا أصــابك يا بغــداد بالعــين

 

ألم تكوني زمانا قرة العين

ألم يكن فيك قوم كان مسكنهم

 

وكان قربهم زين من الزين

صـاح الغــراب بهــم بالبــين فافــتر قــوا

 

ماذا لقيت بهم من لوعة البين

اســــتـودع الله قــومــا مـا ذكرتهـــم

 

تـــحــدّر مــاء العــين من عيــني[4]

 

والظاهر أن عقيدة التطير بالغراب لها من الأسباب والجذور المتوغلة في ذاكرة الإنسان العربي منذ القدم، وذلك لاختصاص الغراب بمسيرة الإنسان منذ ولديّ آدم (عليه السلام)، حينما أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل، فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليعلمه كيف يدفن أخاه؛ قال تعالى:

﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ [المائدة/31].

من هنا:

قيل: أنّ الغراب، سمي بهذا الاسم لأن العرب اشتقت من اسمه الغربة والاغتراب والغريب، فضلاً عن تشاؤمهم بنعيبه وسواد لونه[5].

وقد وردت في النهي عن التطير والعيافة أحاديث كثير، ونصوص شريفة، لما يشكله -الى يومنا هذا- من أثار شرعية ونفسية على الإنسان، لم يزل كثير من الناس يعتقدون بذلك، منها:

عن أنس، قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل» قالوا: وما الفأل؟ قال:

«كلمة طيبة»[6].

قال الصادق (عليه السّلام):

«لا طيرة»[7] .

وقال (عليه السّلام):

«كفّارة الطيرة التوكَّل»[8] .

وقال (عليه السّلام):

«إذا تطيّرت فامض، وإذا ظننت، فلا تقض»[9] .

وقال الصادق (عليه السّلام):

«الطيرة على ما تجعلها إن هوّنتها، تهوّنت، وإن شدّدتها، تشدّدت، وإن لم تجعلها شيئا، لم تكن شيئا»[10].

وقال الرضا (عليه السّلام):

«من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة، وقي من كلّ آفة، وعوفي من كلّ عاهة، وقضى الله له حاجته» [11] )[12]

الهوامش:


[1] أشعار الشعراء الستة، أبو الحجاج الأعلم: ص83 .

[2] الشعر والشعراء، ابن قتيبة الدينوري: 156.

[3] جواهر المطالب، تأليف الباعوني: ج2 ص301؛ مطالب أولي النهى، مصطفى السيوطي الرحيباني الحنبلي: ج5 ص659؛ غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، شمس الدين السفاريني: ص124؛ تفسير روح المعاني للآلوسي: ج26 ص72 .

[4] البداية والنهاية لأبن كثير: ج10، ص260.

[5] المعتقدات الشعبية في الموروث الشعري: ص13.

[6] رياض الصالحين، النووي: ص655 .

[7] الوسائل 8: 262 / 1.

[8]  الوسائل 8: 262 / 3 .

[9]  الوسائل 8: 262 / 3 .

[10] الوسائل 8: 262 / 2 .

[11]  الوسائل 8: 262 / 4 .

[12] ينظر: أثر الميثولوجيا العالمية في تكوين عقائد العرب قبل الإسلام، السيد نبيل الحسني: ص 110-114 اصدار العتبة الحسينية المقدسة – مؤسسة علوم نهج البلاغة/ ط1 دار الوارث- 2022م.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 1.3241 Seconds