كاشفية خطاب الإمام علي عليه السلام عن عقائد العرب قبل الإسلام: الحلقة الثامنة: حاجة الإنسان إلى الاعتقاد بالرمز

مقالات وبحوث

كاشفية خطاب الإمام علي عليه السلام عن عقائد العرب قبل الإسلام: الحلقة الثامنة: حاجة الإنسان إلى الاعتقاد بالرمز

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 03-11-2022

بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والصلاة والسلام على ابي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين.

أما بعد:
لو رجعنا بالبحث إلى المجتمعات البشرية البدائية قبل ظهور الحضارات في وادي الرافدين أو قرب النيل أو في روما أو الصين لوجدنا أن هذه المجتمعات البشرية البدائية حينما نشأ لديها الاعتقاد بشيء ما إنما كان هذا الاعتقاد يرجع إلى ظواهر خاصة في حياة الإنسان وشؤونه اليومية والتي عجز عن فهمها، ومن ثمّ عجز عن التعامل معها، ولذا انصاع إلى التذلل لها وإرضائها سعياً منه لنيل حياة مطمئنة وكريمة.

فكانت هذه المعتقدات لها أسس في ظهورها في حياة الإنسان وهي:
1 - الخوف.
يعد الخوف من أهم مصادر المعتقدات البدائية، (وقد قال: (لوكراس)[1] إن الخوف يخلق الآلهة، وبخاصة الخوف من الموت، والخوف من الطبيعة، حيث كان الإنسان البدائي محاطا بالمخاطر الطبيعية، ولم يستطع أن يتصور بأن الموت ظاهرة طبيعية عند البعض وطبيعية بأمر الله عند البعض الآخر، لكن الإنسان البدائي عزاه إلى فعل الكائنات الخارقة للطبيعة.
ويعتقد بأن الخوف من الحيوانات هو أساس ظهور الطوطمية[2]، ويكون الإنسان قد عبد الحيوان لقوته ويرى بعبادته إرضاء له، ولما ظهر الصيد والتدجين وشعر الإنسان بالطمأنينة قلت عبادة الحيوان)[3].

كان إيميل دوركايم (1858 - 1917) أول من اكتشف الدين الطوطمي وما يوازيه من التنظيم الاجتماعي وهو العشيرة ورأى أن القوى الدينية هي القوة الجمعية والمجهولة للعشيرة.
أما سبب اعتبار الطوطم مقدس فيرجع إلى أنه يمثل رمزا للجماعة نفسها فهو يجسد القيم المحورية في حياة الجماعة أو المجتمع وليست مشاعر الإجلال والإكبار التي يحملها أفراد الجماعة ازاء الطوطم الا تعبيرا عن احترامهم للقيم الاجتماعية الأساسية السائدة بينهم.
إن موضوع العبادة هو المجتمع نفسه الذي يسعى إلى أن يؤكد ذاته بذاته، ويرسخ شرعيته وقيمه ومن هنا فإن الآلهة هي صورة للمجتمع وليس المجتمع صورة للآلهة وأن الديانات لا تنحصر في المعتقدات فحسب، بل تتجاوزها لتشتمل على مجموعة من الأنشطة الطقوسية والاحتفالية الدورية التي يتجمع فيها المؤمنون ويلتقون معًا. ويؤدي الانفعال الجمعي دورًا مهما في التحولات الاجتماعية الكبرى حيث يولد الدين داخل بيئة الانفعال الجمعي وقد يتراجع فيها أيضا.
حاول دوركايم أن يكتشف منطلقات إنسانية جديدة للأخلاق غير تلك المنطلقات الدينية، التي أصبحت متوارثة دون نقاش ورأى أن أخلاق الدين تقايض الأخلاق مقابل ثمن دنيوي أو أخروي، يجري على شكل طقوس وشعائر لا عقلانية وكان يرى أن المقدس رمز قبل أي شيء والدين هو مجموعة من الرموز والأفعال والمعتقدات المتعلقة بها: أي المنفصلة عن عالم الناس لكنها من جانب آخر توحد الناس في جماعة[4].

2 - العجب مما يحدث أو الجهل في الطبيعة.
تعجب الإنسان البدائي مما يحدث في الطبيعة واندهش من الكوارث الطبيعية، وهو لم يجد لذلك تفسيراً غير عبادتها وتقديسها لإبعاد ضررها[5].

3 - طلب العون والبركة.
لما كان الإنسان البدائي يحترف الحرف الأولية كالزراعة والصيد والرعي، وإن حرفته هذه تتأثر ولا تأتي في بعض السنوات إنتاجاً فهو يقيم طقوساً تجمع بين التراتيل والرقصات الدينية وإقامة الاحتفالات ونحر الأضاحي لغرض إرضاء ما كانوا يعتقدونه مسؤولاً عن الوفرة والخير فظهرت معتقدات كثيرة مرتبطة بالحرف، وتدعى بالديانة المهنية[6].

4 - الموت وما بعد الموت.
كان الإنسان البدائي يعجب مما يراه في نومه، فهو يعجب عندما يرى في أحلامه أناساً ماتوا وقد دفنهم بيده، ويعجب عندما يحدث المرض والموت، لذا جعلته يقتنع بأن كل كائن حي له نفس، أو حياة دفينة في جوفه يمكن انفصالها عن الجسد أثناء المرض أو النوم أو الموت وأن لكل شيء روحاً والعالم الخارجي لا يخلو من الإحساس، فالأشياء ليست جوامد، وهكذا بدأت الروحانية في النظر للأشياء.
فيرى البدائي الجبال والأشجار والصخور والنجوم والشمس والقمر والسماء كلها أشياء مقدسة، لأنها العلاقات الخارجية المرئية للنفوس الباطنية الخفية، وعبد الإنسان البدائي كذلك أرواح زعمائه فنشأت إثر ذلك عبادة الأسلاف[7].)[8]

الهوامش:
[1] تيتوس لوكريتيوس كاروس، (94ق م) فيلسوف وشاعر روماني. نظم قصيدة مطوّلة دعاها «في طبيعة الأشياء De rerum natura» قد وصف فيها خصائص المادة وطبيعة الذرّات التي يتألف منها الكون، وتحدّث عن أصل الإنسان والأحوال الجوية والزلازل والأمراض وغيرها. (ويكيبيديا).
[2] الطوطم (بالأجيبوي  ( doodem) ): هو أي كيان يمثل دور الرمز للقبيلة، وأحيانا يُقّدس باعتباره المؤسس أو الحامي. أول من أدخل اصطلاح الطوطم إلى اللغة الإنجليزية هو الرحالة ج. لونك عام 1791 إذ استعمله في كتابه «رحلات مترجم هندي وأسفاره»، واستعمل كلمة الطوطمية في الدراسات الأنثروبولوجيا لأول مرة العالم الإسكتلندي ج. مكلينين في عام 1870 عند كتابته مقالا بعنوان «الطوطمية». كانت الطوطمية موجودة لدى عرب الجاهلية، إذ كان لكل قبيلة صنم خاص بها على صورة حيوان أو جزء من الإنسان. وهو عادة شيء مادي مرسوم أو مجسم وربما حيوان أو نبات تعتقد جماعة ما أنه يحتوي على صفات روحانية خارقة ضمن مقدساتها وميراثها. ينظر: ويكيبيديا.
[3] جغرافية المعتقدات والديانات: ص131 - 132.
[4] ينظر: ويكيبيديا، الطوطمية.
[5] المصدر السابق.
[6] المصدر السابق.
[7] جغرافية المعتقدات والديانات: ص131 - 132.
[8] ينظر: أثر الميثولوجيا العالمية في تكوين عقائد العرب قبل الإسلام، السيد نبيل الحسني: ص 129-132اصدار العتبة الحسينية المقدسة – مؤسسة علوم نهج البلاغة/ ط1 دار الوارث- 2022م.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.5033 Seconds