بقلم: د. سعيد عكاب عبد العالي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطُفي من الخلق، وانتُجب من الورى، محمد وآله أُلي الفضل والنُّهى.
وبعد:
للفعلِ الرُّبَاعِيِّ المجرَّدِ صيغةٌ واحدةٌ، هي(فَعْلَلَ)، ويكونُ لازمًا، مثل(حَشرَج، وغَرغرَ عند الموت)، ومتعدِّيًا، مثل(دَحرجَ)، والمصادر الرُّباعيَّة تكونُ أكثر الصِّيغ تعبيرًا عن الحدث، فالتِّكرير في الصِّيغةِ يدلُّ على تكرير الحدث، قالَ ابن جنِّيّ: «إنَّك تجدُ المصادرَ الرُّباعيَّة المضعَّفة تأتي للتَّكرير نحو: الزَّعزعة، والقلقلة، والصَّلصلة، والقعقعة والصَّعصعة»([1])، كما يدلُّ تقطيع الفعلِ على تقطيع الحدث، نحو: صَرْصَر، جَعْجَع، زَلْزَل([2]).
ومنه ما اشْتُقَّ من أسماءِ الأعيانِ، مثل(فلفلت الطَّعامَ، وزعفرت الثَّوبَ)، ومنه المنْحُوتُ، مثل(بَسْمَلَ، وحَوْقَلَ)([3]).
أمَّا مصدر الفعل الرُّباعيّ المُجرَّدِ(فَعْلَل)، ولما أُلحق بهِ من الثُّلاثيّ المزيدِ بحرف، نحـــو(شَمْلل، وحَــوْقَل)؛ فَقَد اتَّفقَ الصَّرفيُّونَ علــى أنْ تكــونَ لمصدَرِهِ صيغتَانِ،
هما: فَعْلَلة، وفِعْلال، نحو زلزلة وزِلزال([4]).
وقد وردَ هذا البنَاءُ(فَعْلَل)، في مَواضعَ قليـلةٍ في المرويَّات بلغت(خمس) مرَّاتٍ. ومنْها ما يأتي:
قال ابنُ منظور في بيانِ معنى لفظة(وَعْوَع): «وفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: وأَنتم تَنْفرُون عَنْهُ نُفُور المِعْزَى مِنْ وَعْوَعة الأَسَدِ، أَي: صوْته. ووَعْواعُ النَّاسِ: ضَجَّتُهم»([5]).
في النَّصِّ كَلمةٌ علَى زِنَةِ(فَعْللَة)، هِي(وَعْوَعَة)، وهِيَ مصدَرٌ للفعلِ الرُّبَاعيّ اللَّازِمِ(وَعْوَعَ)، ويعني في اللُّغة، صَوتًا من أصواتِ الحيوَاناتِ، قَالَ الخليلُ: «والوَعْوَعَةُ: مِن أصواتِ الكِلابِ وبنَاتِ آوَى. . . . وتقولُ: وعْوَعَتِ الكلبَةُ وعْوَعةً، والمَصدَرُ الوَعْواع، لا يُكْسَرُ على (وِعْواع) نحو زِلْزال كراهيةً للكَسْر في الواو»([6]).
والمصدرُ الرُّبَاعيّ المُضعَّفُ فيهِ «شيءٌ من حكايةٍ لصوتٍ مَا، وفيهِ أيضًا تَتَّضحُ الصِّلةُ بينَ الصَّوتِ والمدلولِ وهو مَا يُدعَى بـ(eipotamono) ونستطيعُ أنْ نردَّ إلى هذا جميعَ الكلماتِ الَّتي تُعربُ عنِ الأصواتِ الَّتي ألصقهَا العربُ بِالمصادِرِ الَّتي تخرجُ منها هَذه الأصواتُ»([7]).
والتَّضعيفُ في الكلمةِ يُكسبها قوَّةً وزِيادةً ومبالغةً، فضلًا عن أنَّ العربَ لمحوا في هذا التَّضعيفِ طريقةً حَسنةً لحكايةِ الأصوات([8])، وهَذا مَا نَلمسهُ في خطابِ الإمام(عليه السَّلام)لأصحابهِ الَّذينَ سَلكَ بهم سُبلَ الهدايَةِ الَّتي توصِلهم إلى الحقِّ والدِّفاعِ عنه، وهُم يَنفرونَ منه نفورَ المعزى من صوتِ الأسدِ، وهذا التَّشبيهُ يدلُّ علَى أنَّ الإمامَ(عليه السَّلام)، قدْ يئسَ من أصحابهِ الَّذينَ ابتعدوا عنْ طَريقِ الحَقِّ([9])؛ فاستعملَ المصدرَ الدَّالَّ على ديمومةِ الحدثِ وتكرارهِ، من دون الارتباطِ بزمنٍ محدَّدٍ، وهذهِ الدَّلالة من دلالاتِ(فَعْللة). وأمَّا(فِعلال)؛ فلا شاهدَ في المرويَّات عليه.)([10]).
الهوامش:
[1] الخصائص: 2/155.
[2] ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدَّلالة: 70.
[3] ينظر: ضياء السالك إلى أضح المسالك: 3/38.
[4] ينظر: المقتضب: 2/ 95- 96،وشرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك: 2/ 131 - 132،وشذا العرف: 59 - 60، والمهذب في علم التصريف: 247.
[5] لسان العرب(وعوع): 5/402.
[6] العين(وعوع): 1/113.
[7] الفعل زمانه وأبنيته، إبراهيم السامرائي: 195.
[8] ينظر: المصدر نفسه: 195.
[9] ينظر: شرح نهج البلاغة، عباس الموسويّ: 2/382.
[10] لمزيد من الاطلاع ينظر: مرويات الامام علي عليه السلام في لسان العرب: سعيد عكاب عبد العالي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص80-82.