من آثار نهج البلاغة في المستوى الأخلاقي لدى المفسرين: 1-الخلق المحمدي

مقالات وبحوث

من آثار نهج البلاغة في المستوى الأخلاقي لدى المفسرين: 1-الخلق المحمدي

954 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-05-2023

بقلم. د. الشيخ محسن الخزاعي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.

أما بعد:
إنَّ من أوضح مصاديق الجانب الأخلاقي في نهج البلاغة الخلق المحمدي، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمتاز بسمو خلق لا يحيط بوصفه البيان ما خلا القرآن الكريم، وكان من أثره أنَّ القلوب فاضت بإجلاله وتفانى الرجال في حياطته وإكباره، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه أحبوه إلى حد الهيام ولم يبالوا أنْ تندق أعناقهم ولا يخدش له ظفر.
فكان يرقّع ثوبه، ويخصف نعله، ويحلب شاته، ويأكل مع العبد، ويجلس على الأرض، ولا يمنعه الحياء أنْ يحمل حاجته من السوق إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، ولا ينزع يده من يد أحد حتى ينزعها هو، ويسلم على من استقبله من غني وفقير وكبير وصغير، ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أنَّ أحدًا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يَردَّه إلا بها أو بميسور من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أباً، وصاروا عنده في الحق متقاربين، يتفاضلون عنده بالتقوى([1]).
وأفضل وصف وِصِفَ به صلى الله عليه وآله وسلم ما ورد في نهج البلاغة على لسان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إذْ قال: " فتأس بنبيك الأطيب الأطهر صلى الله عليه وآله، فإنَّ فيه أسوة لمن تأسى، وعزاء لمن تعزى وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتص لأثره. قَضَم الدنيا قضماً، ولم يعرها طرفاً، أهضم أهل الدنيا كشحاً، وأخمصهم من الدنيا بطناً عرضت عليه الدنيا فأبى أنْ يقبلها، وعلم أنَّ الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه، وحقر شيئاً فحقره، وصغر شيئاً فصغره، ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله ورسوله، وتعظيمنا ما صغر الله ورسوله لكفى به شقاقاً لله ومحادة عن أمر الله، ولقد كان صلى الله عليه وآله يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري ويردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول يا فلانة لإحدى أزواجه غيبيه عني فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أنْ تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتخذ منها رياشاً، ولا يعتقدها قراراً، ولا يرجو فيها مقاماً، فأخرجها من النفس، وأشخصها عن القلب، وغيبها عن البصر وكذا من أبغض شيئاً أبغض أنْ ينظر إليه وأنْ يُذكر عنده"([2]).
فهذه الخطبة التي حوت أوصافاً لا يفوقها وصف، ذكرها كاملة السيد الطباطبائي في الميزان وذلك عند حديثه عن أخلاق الأنبياء، وفي مقدمتهم نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذْ أورد بعدها مجموعة من الروايات الواردة في مجامع أخلاقه التي تلوح إلى أدبه الإلهي الجميل والمؤيدة للآيات القرآنية الشريفة الحاكية عن سمو أخلاقه، فكان من أبرز تلك الروايات ما ورد عن الإمام في نهج البلاغة في وصف الخلق المحمدي([3]).)[4].

الهوامش:
([1]) ظ: سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، السيد محمد حسين الطباطبائي، تحقيق : الشيخ محمد هادي الفقهي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، 1419هـ، 117.
([2]) نهج البلاغة، 2/ 60.
([3] ظ: الميزان، 6/ 253ـ 257.
([4] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص  195-197.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3186 Seconds