بقلم : السيد نبيل الحسني .
ومما قاله الآلوسي في الدفاع عن خصوم فاطمة عليها السلام ومحتجا على الشيعة في عملهم بالآحاد من الآحاديث ومعترضا عليهم نكرانهم على أعلام أهل السُنَّة والجماعة العمل بآحاد حديث (لا نورِّث) ، فيقول:
(ويستندون في ذلك - أي الشيعة - الى آحاد تفردوا بروايتها مع أن عموم الآيات على خلاف ذلك)[1].
أقول:
1- المقايسة هنا باطلة وفاسدة، وذلك أن الشيعة يرجعون في الفقه والعقيدة ومقاصد القرآن وتشريعه الى عدل القرآن وثقله (عليهم السلام)، ومن ثم لا مجال للمقايسة بينهم وبين الصحابة، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام).
«لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه ابداً؛ هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة»[2].
2- إنَّ المشكلة الشرعية في حديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة» لا تنحصر في كونه من الآحاد كي تصح المقايسة بينه وبين أخذ الشيعة بآحاد بعض الأحاديث، وإنما في معارضته للقرآن والسُنَّة النبوية واللغة.
ولذا: فإن الأخذ به تجرٍ على القرآن والسُنّة النبوية واللغة ، وهو من البدع والمحدثات التي بدّل بعض الصحابة بها شريعة الله تعالى -كما مرَّ بيانه أنَفاً في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)- فشتّان بين أخذ الشيعة لمناهل الشريعة من الثقلين القرآن والعترة عليهم السلام ، وبين من آخذ عن بعض الصحابة الذين قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم»[3].
وعليه:
فكل ما ثبت وروده عن المعصوم (عليه السلام) فهو قطعي، وكل ما ورد عن الصحابة ولم يوافق قول المعصوم فهو ظني ولا يصمد الظني أمام القطعي ، فضلا عن تعلق ذمة المسلم به وسؤاله يوم الحساب عما أخذ وممن أخذ ، وذلك لقوله تعالى :
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} [سورة الصافات، الآيات: 24 – 30] .
ومِنْ ثمَّ : لا يمكن دفع التوارث بين الأنبياء عليهم السلام في الأموال بعد إقرار القرآن والسُنّة واللغة بذلك ، إلا أن الحقيقة المرّة والتي لا مفرَّ منها ، هي : تضافر الأمة على هضم فاطمة (عليها السلام) وقد تجلّت في دفاعهم عن خصومها والانتصار لهم ، وهو ما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بعد أن واراها في الثرى ، فحوّل بوجهه إلى الروضة النبوية ، فقال:
« السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي ، والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وزَائِرَتِكَ والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ...»[4] إلى أن يقول: «وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ [عليَّ] وعَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»[5] «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين»[6] . [7]
الهوامش:
[1] تفسير الآلوسي: ج4 ص 218.
[2] نهج البلاغة ، الخطبة الثالثة ، شرح المعتزلي: ج1 ص 138؛ منهاج البراعة للراوندي: ج1 ص 110.
[3] ينظر: صحيح مسلم: ج4 ص 2194-2195، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث 58
[4] الكافي ، الكليني : ج1 ص458 ؛الأمالي ، الشيخ المفيد:ص283 ؛ نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة رقم 202 .
[5] نهج البلاغة، الشريف الرضي: الخطبة رقم: 202
[6] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[7] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة ، السيد نبيل الحسني : 210 / 211 ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الوارث كربلاء - 2021م – مع بعض التصرف والإضافة- .