مناقشة أقوال الآلوسي في تفسيرقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} و{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} ودفاعه عن خصوم فاطمة عليها السلام.

مقالات وبحوث

مناقشة أقوال الآلوسي في تفسيرقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} و{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} ودفاعه عن خصوم فاطمة عليها السلام.

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 15-06-2023

أولاً - المغالطة في أنّ الإرث في الآيتين هو (العلم والنبوّة) ووصفه قول الشيعة بأن المراد في الآيتين هو المال بـ  (غاية الوهن).

بقلم: السيد نبيل الحسني.

بعد أن ينتهي الآلوسي من تفسير قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [سورة النساء/ 11] والتي مرَّ بيانها ونقاشها عبر سلسلة من النقاط التي بينا عبرها مغالطاته المتكررة في صريح الآية بوراثة النبي صلى الله عليه وآله ودفاعه عن خصوم فاطمة عليه السلام الذين جهدوا على حرمانها من جميع ما أقرته الشريعة في الإرث والنِحْل - إي أرض فدك - وسهم ذي القربى وطعمة حصن الكتيبة.
 ينتقل بعد ذلك إلى تفسير الآيتين الخاصتين بالتوارث بين الأنبياء عليهم السلام، أي قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} و{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ}، فيجدد الدفاع عن خصوم فاطمة عليها السلام وعبر سلسلة من المغالطات، فيقول:
(وما زعموه  - [أي الشيعة] - من دلالة الآيتين اللتين ذكروهما على كذب الخبر – [أي خبر لا نورث ] - في غاية الوهن، لأن الوراثة فيهما وراثة العلم والنبوة والكمالات النفسية، لا وراثة العروض والأموال)[1].

أقول:
إنّ ما ينماز به هذا القول هو:
1ـ التكرار لما ذكره أسلاف الآلوسي ومشايخه من أعلام أهل السُنَّة والجماعة في أن المراد بالإرث في قوله عزّ وجل: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} وقوله عز وجل: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} هو: العلم، والنبوة، والحبورة، والأخلاق الحسنة، وأمور الدين، والتركة، والشريعة، وغيرها مما مرَّ ذكره وبيان معارضته للقرآن والسُنَّة، ومن ثمَّ: فلا حاجة الى التكرار.

2 ـ إنّ وصفه لقول الشيعة بأن المراد في الآيتين : هو المال بـ (غاية الوهن) غاية في التغليط وقول إنشائي يرتكز على العاطفة ويكشف عن القصور في الدليل، وذلك أن القول بنفي الوراثة بين الأنبياء عليهم السلام بالمال وحصره بالعلم والنبوة وغيرها لم يكن من أقوال الشيعة فحسب ، وإنما هو من أقوال عامة المفسرين من أعلام أهل السُنَّة والجماعة، ومنذ القرن الأول للهجرة النبوية ، فقد قال أغلبهم بأن المراد من الإرث في الآيتين هو المال ، وهم على النحو الآتي:
1 ـ سفيان الثوري (ت 161هـ)، قال: (يرثني المال، ويرث من آل يعقوب النبوة)[2].

2 ـ النحاس (ت 338هـ)، قال: (روى عن داود بن أبي هند عن الحسن: {يَرِثُنِي}، أي: يرث مالي)[3].

3 ـ الجصاص (ت 370هـ)، قال: (ذكر ابن عباس: أنّه يرث المال، ويرث من آل يعقوب النبوة)[4].

4 ـ السمرقندي (ت 383هـ)، قال: (قال عكرمة: يرثني مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة)[5].

5 ـ الثعلبي (ت 427هـ)، قال: (قال الحسن: معناه يرثني مالي)[6].

6 ـ السمعاني (ت 489هـ)، قال: (عن ابن عباس: انه أراد به إرث المال)[7].

7 ـ البغوي (ت 510هـ)، قال: (قال الحسن: معناه يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة)[8].

8 ـ فخر الدين الرازي (ت 606هـ)، قال: (واختلفوا في المراد بالميراث على وجوه، أحدها: أن المراد بالميراث في الموضعين هو وراثة المال، وهذا قول ابن عباس والحسن والضحاك)[9].

9 ـ القرطبي (ت 671هـ)، قال: (قال ابن عطية: والأكثر من المفسرين على أن زكريا إنما أراد وراثة المال، ويحتمل قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنا معاشر الأنبياء لا نورِّث) لا يريد به العموم، بل على أنه غالب أمرهم، فتأمله)[10].

10 ـ ابن الجوزي (ت591هـ) ، قال: (المراد بهذا الميراث أربعة أقوال، أحدها: يرثني مالي)[11].

11 ـ ابن جزي الغرناطي الكلبي (ت741هـ) ، قال: (قيل: المال)[12].

12 ـ أبو حيان الأندلسي (ت745هـ) ، قال: (يرثني إن مت قبله أي نبوتي، وأرثه إن مات قبلي، أي: ماله)[13].

13 ـ وأخيرا نختم بشيخ المفسرين محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)، وقد ذكر في تفسيره بأن الإرث في الآية هو: المال، فقال:
(قوله {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} يقول: يرثني من بعد وفاتي مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة، وذلك أن زكريا كان من ولد يعقوب، وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل)[14].
وقد أعقبه بذكر من قال بأن الإرث بينهم (عليهم السلام) هو المال، فأورد ثلاثة طرق لهذا التأويل كما مرّ بيانه سابقاً.
ومِنْ ثمَّ : لا يمكن دفع التوارث بين الأنبياء عليهم السلام في الأموال بعد إقرار القرآن والسُنّة واللغة بذلك ، إلا أن الحقيقة المرّة والتي لا مفرَّ منها ، هي : تضافر الأمة على هضم فاطمة (عليها السلام) وقد تجلّت في دفاعهم عن خصومها والانتصار لهم ، وهو ما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بعد أن واراها في الثرى ، فحوّل بوجهه إلى الروضة النبوية ، فقال:
« السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي ، والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وزَائِرَتِكَ والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ...»[15] إلى أن يقول: «وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ [عليَّ] وعَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»[16] «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين»[17]. [18]

الهوامش:
[1] تفسير الآلوسي: ج4 ص 218 - 219.
[2] تفسير سفيان الثوري: ص 181 ط دار الكتب العلمية.
[3] معاني القرآن: ج4 ص 311.
[4] أحكام القرآن: ج3 ص 282.
[5] تفسير السمرقندي: ج2 ص 368.
[6] الكشف والبيان: ج6 ص 206.
[7] تفسير السمعاني: ج3 ص 278.
[8] معالم التنزيل: ج3 ص 188.
[9] تفسير الرازي: ج21 ص 184.
[10] الجامع لأحكام القرآن: ج11 ص 78.
[11] زاد المسير: ج5 ص 146.
[12] التسهيل لعلوم التنزيل: ج1 ص 477.
[13] تفسير المحيط: ج6 ص 165.
[14] جامع البيان: ج16ص 60.
[15] الكافي ، الكليني : ج1 ص458 ؛الأمالي ، الشيخ المفيد:ص283 ؛  نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة رقم 202 .
[16] نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة رقم : 202
[17] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[18] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة ، السيد نبيل الحسني : 211 / 212 ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الوارث كربلاء - 2021م – مع بعض التصرف والإضافة- .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2574 Seconds