بقلم: السيد نبيل الحسني.
لم يكن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ليدع هذه الأمة، ولاسيما العرب أن تسير في الطريق المظلم فتتبع سنن الذين ظلموا أنفسهم وأهليهم؛ بل كان يرشدهم ويحثهم على تجنب الفتنة والوقوع بها والخوض فيها، فيقول عليه السلام:
«ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلاَيَا قَدِ اقْتَرَبَتْ فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ، وَاحْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَةِ، وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ، وَاعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ، عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا، وَظُهُورِ كَمِينِهَا وَانْتِصَابِ قُطْبِهَا، وَمَدَارِ رَحَاهَا.
تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّةٍ، وَتَئُولُ إِلَى فَظَاعَةٍ جَلِيَّةٍ، شِبَابُهَا كَشِبَابِ الْغُلاَمِ، وَآثَارُهَا كَآثَارِ السِّلاَمِ، يَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَةُ بِالْعُهُودِ، أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لآخِرِهِمْ وَآخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ، يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيَا دَنِيَّةٍ، وَيَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ، وَعَنْ قَلِيلٍ يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ، وَالْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ، فَيَتَزَايَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ، وَيَتَلاَعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ»([1]).
لكن النتائج التي انتهت إليها هذه الأمة وعلى مرّ السنين كانت تظهر أنّ هذا التنبيه والتحذير والإرشاد، لم يكن ليؤتي ثماره، كما لم تأتِ ثمار التوجيه والإرشاد والتحذير التي قدمها القرآن الكريم؛ والسبب في ذلك -يبدو- في إصرار كثير من الناس على التمسك بالباطل، وتقديم المصالح الشخصية والأهواء النفسية على الحقوق والأحكام الشرعية، بل والحقوق التي تسري بين جميع بني الإنسان كالعيش بكرامة والتحرر من الطاغوتية والظلم .
ولذا: نجده (عليه السلام) يصف الفتنة بأوصاف دقيقة ولاسيما وأن الخطاب موجه للعرب بالإساس فيحذرهم من البلايا التي اقتربت ويرشدهم إلى الملاذ والخلاص منها عبر التقوى من سكرات النعمة، وذلك أن (أكبر الأسباب المعدّة للفتنة هي الغفلة عن ذكر اللَّه بالانهماك في نعم الدنيا ولذّاتها، ولذا استعار (عليه السلام) للغفلات لفظ «السكرات»، ثمّ أمر باتّقائها، وحذّر من دواهي النقمات بسبب كفران النعم)[2] .
فكان من بين أهم النتائج التي ستؤول إليها فتنة كفران النعمة هي أن : «يَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَةُ بِالْعُهُودِ، أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لآخِرِهِمْ وَآخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ، يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيَا دَنِيَّةٍ، وَيَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ، وَعَنْ قَلِيلٍ يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ، وَالْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ، فَيَتَزَايَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ، وَيَتَلاَعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ»[3] .
الهوامش:
([1]) نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام: خطبته في الفتنة وما يكون فيها، ج 2، ص 37. بحار الأنوار للعلامة المجلسي S: ج 34، ص 266، الباب الثالث والثلاثون، ما وقع في أيام خلافته عليه السلام.
[2] شرح نهج البلاغة ، ابن ميثم البحراني : ج3 / ص 223
[3] لمزيد من الاطلاع ، ينظر: حركة التاريخ وسُنَنه عند علي وفاطمة (عليهما السلام) ، السيد نبيل الحسني: ص64 – 65 اصدار العتبة الحسينية المقدسة ، ط1 مؤسسة الأعلمي ـ بيروت /1430هـ ــ 2009م [3]