بقلم: د. حسام عدنان الياسري.
الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وازل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.
وبعد:
الكْلكَلُ الصَّدر من كل شيء[1]. وهو ما بين الترقوتين عند الإنسان [2].وفي الفرس ما بين الحزمة إلى ما مس الأرض منه إذا ربض[3]. وقد وردت لفظة (كَلْكَلها) مرتين في نهج البلاغة، في حين جاء ألفاظ (كَلْكَله) و (كَلاكِل) و (كَلاكِلها) مرة واحدة لكل منها [4]. وذلك للدلالة على الصدر بعامة. ولكن الإمام خص تلك الألفاظ بالدلالات الآتية:
أولاً: الدلالة على أَكَاِبر العَرَبِ.
وهم صدور الأمة الذين تكلم عنهم الإمام (عليه السلام) في سياق بيان شجاعته وفضله في الإسلام، إذ يقول: ((أَنَا وَضَعْتُ فِي الصِّغَرَ بَكَلاَكِلِ الْعَرَبِ، وَكَسَرْتُ نَوَاجِمَ[5] قُرُونِ[6] رَبِيعَةَ وَمُضَرَ...)) [7]. أراد (عليه السلام) أنه وضع في صغره بقمم العرب، وعلياها من صدورهم ومقدميهم، وكسر شوكتهم، واستعار لفظة (كلاكل) للجماعة من أكابر العرب الذين قتلهم في صدر الاسلام، ووقائعه المختلفة حتى قتل من قتل من أعزّة العرب حينذاك[8]. وقد دلت لفظة (كلاكل) على هذا المعنى؛ لأن الكلكل من الإنسان والحيوان، هو مقدمته ومحل قلبه، لذلك يعد موضعاً للعزة والكبرياء، فضلاً عن الصدارة. وهو ما أوحى به كلام الإمام عند استعماله هذه المفردة لتكون مناسبة للمعنى الذي قصد اليه وربما دلّت المفردة على غير الصدر المعروف في الإنسان والحيوان [9]. كأنما أراد الإمام أنه أنزل هؤلاء الصدور من الأمة إلى محل وضيع عندما أرغمهم على الموت قهراً في سبيل الاسلام. ومما عزز هذا المعنى قوله (وكَسَرْتُ نَوَاجِم قُروُن رَبِيْعَة ومُضَر). فعبر بـ (نواجم قرون) إلى ما برز من القبائل العربية من أبطال مقدمين في الحروب. واستعمل لهم لفظ (القرون)؛ لأنّ القرن هو سلاح الحيوان الذي يصول به ويمنع[10]. فكأنهم سلاح قبائلهم التي تقابل بها، وتصول وتمنع عنها الاعداء. فضلاً عن هذا اللفظ يدل في اللغة على معان متعددة، فالقرن هو الفرد الذي لا واحد له ولا نظير[11]. وهو الضد في القوة أيضاً[12].)[13].
الهوامش:
[1] ينظر: تهذيب اللغة (كلل): 9/333، والمحكم (كلل): 6/659، ولسان العرب (كلل): 11/596.
[2] نفسها.
[3] ينظر: المحكم (كلل): 6/660، ولسان العرب (كلل): 11/597.
[4] ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 402.
[5] نَجَم الشيءُ، إذا طلع. ينظر: لسان العرب 12/568.
[6] القَرْنُ الرّوقُ، وموضعه رأس الإنسان والثيران والظباء وغيرها. ينظر: لسان العرب (قرن): 13/331.
[7] نهج البلاغة: خ / 192: 378.
[8] ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 4/235، والديباج الوضي: 4/2050.
[9] ينظر: المحكم (كلل):
[10] ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 4/183، والديباج الوضي: 4/2050.
[11] . ينظر: العين (قرن): 5/143.
[12] نفسه.
[13] لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 52-53.