بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
كلامه في الخوارج لما سمع قولهم لا حكم إلا لله. قال(عليه السلام):
(كلمة حق يراد بها باطل نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون، لا إمرة إلا لله وإنه لابد للناس من أمير برٍ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمع فيها الكافر......)([1])
كلمة أمير المؤمنين (عليه السلام) دارت بين الناس وجرت مجرى الأمثال، حتى استفاضت بها كتب الحديث والتاريخ([2]).
قال أبو جعفر الإسكافي (ت202هـ) معلقاً عليها، وشك الخوارج في أكثر من شبهة([3]).
وأورد البلاذري([4]) ذكر الخطبة وما بعدها من أحداث (لما قدم علي بن أبي طالب إلى الكوفة من صفين حاصرته الحرورية ستة أشهر وقالوا: شككت في أمرك وحكمت عدوك ودهنت في الجهاد، وتأولوا عليه القرآن(فقالوا: قال الله: (والله يقضي بالحق)([5]) وطالت خصومتهم لعلي.
ووصفها الشريف الرضي قائلاً: هذه أبلغ عبارة عن أمر الخوارج لما جمعوا حسن الاعتزاء والشعار، وقبح الأبطال ولا خمار([6]).
وقد خصّهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وخصّ غيرهم من العامة بصفة الغوغاء قائلاً: إذا اجتمعوا ضروا وإذا تفرقوا......)([7]).
وروى الطبري قال: قال علي: الله أكبر كلمة حق يراد بها باطل، وإذا سكتوا عممناهم وإن تكلموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم.([8])
وذكر مفهوم الكلمة ابن مزاحم دالاً عليها أنها كلام علي (عليه السلام) حيث قال: (أنها كلمة حق يراد بها باطل، إنهم والله ما رفعوها إنهم يعرفونها ويسلون، ولكن الخديعة والوهن والمكيدة أعيروني جماجمكم......)([9]).
وجاء عند ابن الأثير قال([10]): في باب التناسب بين المعاني في قسم المطابقة، وقد أجمع أرباب هذه الصناعة على أن المطابقة في الكلام هي الجمع بين الشيء وضده كالسواد والبياض والليل والنهار، وقول علي (عليه السلام) لما قال الخوارج: (لا حكم إلا لله) قال: هذه كلمة حق يراد بها باطل.
وبيّن الخطيب البغدادي([11]):قول الإمام علي (عليه السلام) فيهم بعد القتال بعد خروج آخرهم رجل أسود على كتفه مثل حلمة الثدي فقال علي: الله أكبر والله ما كَذبت ولا كُذبت كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قسم فيئنا فجاء هذا فقال: يا محمد إعدل والله ما عدلت منذ اليوم الأول، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ثكلتك أمك ومن يعدل عليك إذا لم أعدل؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا، دعه فإن له من يقتله، وقال: صدق الله ورسوله. وبيّن ابن حجر([12]) مفهوم الكلمة معلقاً عليها ذاكراً الحادثة بعينها، كما أوردها ابن كثير بتفاوت([13]).
ومن الجدير بالإشارة بأن الخوارج قد اشتبه عليهم الأمر في التحكيم وعدمه وقد أخذوا بالقرآن وتركوا السنة، لذا وضّح الإمام علي (عليه السلام) لابن عباس بقوله عند محاججته الخوارج: لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمال ذو وجوه تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً([14])، فخرج إليهم فخاصمهم بالسنن فلم تبق بأيديهم حجة.
ووردت في النهج في موردين، أحدهما المذكور بالخطبة المشار إليها والثاني بقوله (عليه السلام) (كلمة حق أريد بها باطل) في باب الكلمات القصار)([15]).
الهوامش:
([1]) نهج البلاغة، 1/114، خطبة (40).
([2]) ابن قدامة: عبد الله (ت620هـ)؛ المغني، 1/59؛ القاضي النعماني: شرح الأخبار، 2/9.
([3]) المعيار والموازنة، 2/216.
([4]) أنساب الأشراف، ص353.
([5]) غافر: آية، 20.
([6]) الشريف الرضي: خصائص الأئمة، ط1، مجمع البحوث، 1406هـ، ص113 ؛ ابن البطريق: العمدة، ص330.
([7]) المصدر السابق، ص148.
([8]) تاريخ الأمم والملوك 3/283 حوادث السنة السابعة والثلاثين.
([9]) وقعة صفين، ص489.
([10]) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، 2/245.
([11]) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، 1/171.
([12]) ابن حجر: فتح الباري، 12/251.
([13]) ابن كثير: البداية والنهاية، 7/174.
([14]) نهج البلاغة: 3/633، الوصية (315)
([15]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، 203-206.