من ألفاظ إيرادات الدولة في نهج البلاغة: الفيءُ

مقالات وبحوث

من ألفاظ إيرادات الدولة في نهج البلاغة: الفيءُ

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-04-2024

بقلم: الدكتورة سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..

اما بعد:
ورد هذا اللفظ مرتين في النَّهْج، ليدل على:
1) المعنى الحقيقي: ويعني الرجوع، ومنه قوله (عليه السلام) يبين مواعظ للناس: «فسبحان الله ما أعز سرورها وأظمأ ريها وأضحى فيئها لا جاء يرد ولا ماض يرتد فسبحان الله»[1]ومعنى الفيء هنا (الظل بعد الزوال) 
ولفظ (أفاء): أصله (أفْيَأ)؛ لاستثقال الفتحة على الياء نُقِلَت الى الساكن الذي قبلها فأصبحت (أفيَأ) ثم قلبت الفا، وقلبت الياء الى همزة (أفاي) اعلال بالقلب؛ لتحرك الياء ووقوعها طرفا بعد الالف الساكنة المفتوح ما قبلها قلبت همزة، ء ـَـ فـ / يـ ـَـ ء نقلت فتحة الياء الى الفاء ثم قلبت الفاء.
 ـَءـَـ فـ / يـ ـَـ ء   تنقل فتحة الياء إلى الساكن الذي قبلها للاستثقال ء ـَـ / فـ ـَـ / يء
 تقلب الياء الى همزة ءـَـ / فـ  ـَـَ ء   قلبت الياء الف.  وهو إعلال بالقلب

2) المعنى المجازي:  ويعني به ما أخذ من أموال الغنائم،  جاء اللفظ في كتاب للإمام إلى بعض عمَّاله: « وَتَبْتَاعُ الإمَاءَ وَتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ مَالِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُجَاهِدِينَ،  الَّذِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِمْ هذِهِ الاْمْوَالَ،  وَأَحْرَزَ بِهِمْ هذِهِ الْبِلاَدَ ؟»[2] (أفاء المالُ عليهم:  جعله غنيمةً لهم)  [3]،  وجاء الاسم منه مُعَرّفاً بـ(ال) في قوله: » فَإِنَّهُ لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِير بَرّ أَوْ فَاجِر،  يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ،  وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ،  وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الاْجَلَ،  وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيءُ،  وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ،  وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ»[4].
  وجاء مضافا الى (ضمير الجماعة المخاطبين) «أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً، وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ: فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُم عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا»[5]،  والفيءُ بيتُ مال المسلمين، وفيه حرص على بيتِ مال المسلمين، وتنميته وسدّ ذوي الحاجة، أي ترغيبكم على ما فيه حُسن الثواب في المَعاش والمآب، وتفريقه فيكم بالقسِّط والعدْل من دونِ حيفٍأو ميلٍ[6].  فالأصل اللغوي للفيء: الظِل ّ، والفيء الغنيمة. قال تعالى: ﴿مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[7].
  قال ابن فارس: «الفاء والهمزة مع معتل بينهما،  كلمات تدلّ على الرجوع:  يقال فاء الفيء اذا رجع الظل من جانب المغرب الى جانب المشرق،  وكلّ رجوعٍ فيء والفيء غنائم تؤخذ من المشركين افاءها الله تعالى عليهم» [8]،  والفيءُ ماردً الله تعالى على أهل دينه من أموال من خالف دينه،  بلا قتال،  أمَّا بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلوها للمسلمين،  أو يصالحوا على جزية يؤدونها عن رؤوسهم،  ومالٍ غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم  [9].
   وفي الاصطلاح الفقهي: ما أخذ من أموال أهل الحرب صلحا من غير قتال، أو بعد أن تضع الحرب أوزارها كالخراج والجزية ونحو ذلك.  وقد سُمِّي فيئا؛ لأنَّ اللهَ أفاء به على المسلمين[10].
   قال أبو عبيد: «وأمَّا مالُ الفيءِ: فما أجتبي من أموال أهل الذِّمة مما صولحوا عليه من جزية رؤوسهم التي بها حقنت دماؤهم وحرمت أموالهم، ومنه خراج الأرض التي افتتحت عنوة، ثم اقرها الإمام (عليه السلام) في ايدي اهل الذمة على طبق يؤدونه، ووظيفة الصلح التي منعها اهلها حتى صولحوا على خراج مسمى، وما يأخذه العاشر من أموال أهل الذِّمة ومنه ما يؤخذ من أهل الحرب إذا دخلوا بلاد الإسلام للتجارات[11].   وهو ما يرده الله تعالى على أهل دينه من أموال من خالف دينه بلا قتال.  أمَّا بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلوها، أو يصالحوا على جزية يؤدونها عن رؤوسهم، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم، والفيء: الغنيمة والخراج. وما حصل للمسلمين من احوال الكفار من غير حرب ولا جهاد[12]. )([13]).

الهوامش:
[1] نهج البلاغة:  خ 114،  120.
[2] ك 41،  309.
[3] ظ:  في ظلال نهج البلاغة:  5 / 298.
[4] نهج البلاغة:  خ 34،  41.
[5] خ 34،  41.
[6] ظ:  منهاج البراعة:  4 / 65  وظ:  في ظلال نهج البلاغة:  1 / 4.
[7] الأنفال /  1.   
[8] مقاييس اللغة:  4 / 436.
[9] ظ:  لسان العرب (مادة فيأ):  5 / 3495.
[10] ظ:  المصباح المنير:  2 / 545.
[11] ظ:  معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء:  356.
[12] ظ:  المصدر نفسه.
([13])لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 196-199.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2707 Seconds