بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
اما بعد:
تكرر هذا اللفظ مرتين في النهج[1]، ولم يأتِ هذا اللفظ في النَّهْج بمعناه الاقتصادي؛ لأنَّ الناس إصطلحوه عليه في عصور متأخرة معنى الجِباية، وإنَّما جاء بمعنى حدُّ السَيف، قال (عليه السلام) الى أهل مصر، لمَّا وَلَّى الصحابي مالكٍ الأشتر(رضوان الله عليه) قائلا: « فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، لاَ كَلِيلُ الظُّبَةِ وَلاَ نَابِي الضَّرِيبَةِ «[2]، وضَارِبُ الضَّريبة: حَدُّ السَّيف، والضَّريبة: الشَّيء المضروب بالسَّيف[3].
فالضًرب: يقع على جميع الأعمال ضرب في التجارة، وفي الأرض، وفي سبيل الله، يصفُ ذهابَهم وأخذهم فيه، وضرب على يدِ فلانٍ: حبس عليه أمرا أخذ فيه وأراده، ومعناه حجر عليه[4]. ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ}[5].
والضَّريبة: ما ضربته بالسَّيف. والضًريبة: المضروب بالسيف، وانما دخلته الهاء، وان كان بمعنى مفعول، فمَن لا يدفعها يُضرَبُ بـ(الضريبة) حدُّ السيف، تغريراً له وصارت عداد الأسماء، لأنَه صار في عداد الأسماء كالنطيحة، والضَّرَيبة: واحدةُ الضَّرائب التي تُؤخَذ في الأرصاد والجِزية ونحوها ؛ ومنه ضريبة العبد، وهي غِلَتُّه، وما يؤدي العبد إلى سيده من الخَراج المُقرَر عليه ‘ وهي فعيلة بمعنى مفعولة، وتُجمَع على ضرائِب[6].
وجمعُ الضَّريبة ضَرائِب» وهي إتاوة أو وظيفة يأخذها الملك ممن دونه أو ما يؤد بالعبد الى سيده من الخراج المقرر عليه، وهي فعيلة بمعنى مفعولة»[7].
أو هي «مبالغ نقدية تحصل عليها الدولة من الأفراد جبراً وبدون مقابل بهدف تمويل نفقاتها العامة وتحقيق الأهداف النابعة من مضمون فلسفتها السياسية» [8].
وبعبارة أوضح هي: «الفريضة النقدية المتوجب دفعها جبرًا من الشخص الحقيقي أو المجازي بحسب نظام ضريبي تضعه الدَّولة للجِباية من الجهات المعنية بدون مقابل، للإستعانة به في مواجهة النفقات العامة للدَّولة، وهو أهم مصدر للسيادة في الإيرادات»[9])[10].
الهوامش:
[1] ظ: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 1059.
[2] نهج البلاغة: ك 38، 307.
[3] ظ: نهج البلاغة: تح: فارس الحسون: 666.
[4] ظ: العين (مادة ضرب): 7 / 30.
[5] آل عمران / 156.
[6] ظ: لسان العرب (مادة ضرب): 3 / 2569.
[7] المعجم الاقتصادي الاسلامي: 264 ومن الملاحظ أنَّ مصطلح (ضريبة) قليل الاستعمال في كلام الفقهاء، ومن مرادفاته هي» الكلف السلطانية والنوائب والخراج والمغارم والمكوس.
[8] اقتصاديات المالية العامة: عادل فليح العلي وطلال محمود كداوي: 39.
[9] علم الاقتصاد في نهج البلاغة: 257 وظ: لسان العرب (مادة ضرب): 3 / 2569.
* أما في الغرب فقد فرضت الضريبة على الأغنياء فقط، ففي إنكلترا عام 1874 اطلق معنى ضريبة الدخل وفي امريكا عام 1913، بدأت بثورة الأمريكان على ضريبة الشاي الإنجليزية التي حررتهم من المستعمر الإنجليزي، وما إن ذاقت الحكومة المَّال حتى أطلقته على الطبقة المتوسطة، وتطور معناها عبر الأنظمة الإجتماعية، فقد بدأت إختيارية كخدمة شخصية وإعانة مالية من الرَّعايا إلى الحاكم، ومن ثم على الأموال، فكانت كالجِزية، أي فريضة مالية يدفعها المهزوم إلى المنتصر
[10]لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 188-190.