الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام: في خطبة له (عليه السلام) تسمى بالقاصعة ومنها قال (عليه السلام) في عصبية المال

مقالات وبحوث

الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام: في خطبة له (عليه السلام) تسمى بالقاصعة ومنها قال (عليه السلام) في عصبية المال

661 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 25-06-2024

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
وَأَمَّا الْأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الْأُمَمِ، فَتَعَصَّبُوا لِآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ فَـ {قَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}([1]) - إلى أن يقول عليه السلام - وَاجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَـرَ فِقْرَتَهُمْ، وَأَوْهَنَ مُنْتَهُمْ: مِنْ تَضَاغْنِ الْقُلُوبِ، وَتَشَاحُنِ الصُّدُورِ، وَتَدَابُرِ النُّفُوسِ، وَتَخَاذُلِ الْأَيْدِي.
وَتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ، كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيصِ وَالْبَلَاءِ؟ أَلَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً، وَأَجْهَدَ العِبَادِ بَلَاءٌ، وَأَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالاً؟! اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ، وَجَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ ، فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ الْهَلَكَةِ وَقَهْرِ الْغَلَبَةِ ، لَا يَجِدُونَ حِيلَةً فِي امْتِنَاعٍ ، وَلَا سَبِيلاً إِلَى دِفَاعٍ، حَتَّىٰ إِذَا رَأَى اللَّهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ ، وَالاحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلَاءِ فَرَجاً، فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ، وَالْأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ ، فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً، وَأَئِمَّةً أَعْلَاماً. وَبَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ مَالَمْ تَذْهَبِ الْأَمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ)([2]) .

شرح الألفاظ الغريبة:
المترف: - على صيغة اسم المفعول - الموسع له في النعم يتمتع بما شاء من اللذات؛ آثار مواقع النعم: ما ينشأ عن النعم من التعالي والتكبر؛ الفقرة: - بالكسر والفتح، كالفقارة بالفتح - ما انتظم من عظم الصلب من الكاهل إلى عجب الذنب؛ أوْهَنَ: أي أضعف: المُنّة: - بضم الميم – القوة؛ التمحيص: الابتلاء والاختبار؛ المرار: - بضم ففتح - شجر شديد المرارة تتقلّص منه شفاء الإبل إذا أكلته، والمراد هنا عصارته([3]).

الشرح:
قوله: «واجتنبوا ...» إلى قوله: «وتخاذل الأيدي» أي واجتنبوا كل أمر استبدلوا به تلك الأمور التي أوجبت لهم العزة والكرامة وكان سبباً لكسر فقرتهم ووهن قوتهم وهو التضاغن والتشاحن والتقاطع والتخاذل لأنها أمور تضاد الألفة وتنافيها فكانت مضادة لما يستلزمه الألفة، وأراد التخاذل المطلق، وإضافته إلى الأيدي كناية لأن الأغلب أن يكون التناصر بالأيدي، وهؤلاء الذين أمر باعتبار حالهم لا يريد بهم أمة معينة بل الحال عام في كلّ أُمة سبقت فإن كل أُمة ترادفت أيديهم وتعاونوا وتناصروا كان ذلك سبباً لعزة حالهم ودفع الأعداء عنهم، وكل قوم افترقوا استلزم ذلك ذلهم وقهر الأعداء لهم.
وقوله: «وتدبّروا أحوال الماضين من المؤمنين ....» إلى قوله : «إليه بهم»: أمر لهم باعتبار هذه الأحوال فيمن هو أخص وهم المؤمنون من الماضين في أزمان الأنبياء السابقين فإنهم حيث كانوا مع كل نبي في مبدء أمرهم في حال التمحيص والاستخلاص لقلوبهم بالبلاء أثقل أهل الأرض أعباء قد اتخذتهم الفراعنة عبيداً يسومونهم سوء العذاب وهؤلاء كيوسف عليه السلام مع فرعون زمانه، وكموسى وهارون ومن آمن معهما من بني إسرائيل في مبدء أمرهم فإنهم كانوا حال التمحيص والبلاء بالصفات التي ذكرها الله قد اتخذتهم الفراعنة عبيداً يسومونهم سوء العذاب ويجرعونهم المرار فلم يزالوا كذلك مقهورين حتى إذا رأى استعدادهم بالصبر على دينه لإفاضة رحمته عليهم أفاضها عليهم وجعل لهم من مضايق البلاء فرجاً فأبدلهم بالعز مكان الذل والأمن مكان الخوف كما امتن عليهم تعالى في كتابه حيث قال: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ }([4]) الآية .
وقبل ذلك ما كان المؤمنون مع نوح عليه السلام وإبراهيم عليه السلام وغيرهما.
فأما كونهم ملوكاً وحكاماً وأئمة أعلاماً وبلوغهم الكرامة من الله لهم ما لم يذهب آمالهم إليه فإن موسى عليه السلام وهارون عليه السلام بعد هلاك فرعون ملكا مصر واستقر لهما الملك والدين وكطالوت وداود بعد مجاهدتهما بجالوت وقتله، وذلك أن طالوت لما جاوز النهر هو ومن معه لقتال جالوت كان معه داود عليه السلام فرماه من مقلاعه بحجر فقتله وانكسر أصحابه فكان الملك والغلبة لطالوت وأصحابه وكان الملك بعده لداود عليه السلام كما قال تعالى : { وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ}([5])وكذلك لم يزل الملك والنبوة في سليمان وولده وأولادهم إلى الأعرج من ولده فطمعت الملوك في بيت المقدس لضعفه وزمنه وأنه لم يكن نبياً فسار إليه ملك الجزيرة وكان يسكن برية سنجار وكان بخت نصر كاتبه فأرسل الله تعالى عليه ريحاً فأهلكت جيشه وأفلت هو وكاتبه فقتله ابنه فغضب له بخت نصر فاغتره حتى قتله وملك بعده وكان ذلك أول ملك بخت نصر([6]))([7]).

الهوامش:
([1]) سبأ: ٣٥.
([2]) نهج البلاغة لصبحي صالح : ٢٩٥ - ٢٩٦ ضمن الخطبة رقم ۱۹۲، ونهج البلاغة للشيخ العطار : ٣٩٤ - ٣٩٦/ ضمن الخطبة رقم ۱۹۲ ، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم ٤ : ٢٨٦ - ٢٨٨ / ضمن الخطبة رقم ٢٣٤ ، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده ١: ٤٠٩ - ٤١١.
([3]) شرح الألفاظ الغريبة : ٦٥٤.
([4]) البقرة: ٤٩ - ٥٠.
([5]) البقرة: 251.
([6]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 4: 295-296/ شرح الخطبة رقم 234.
([7]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 241-244.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2448 Seconds