القيم الخلقية في فكر الإمام علي عليه السلام: 1- العدل

مقالات وبحوث

القيم الخلقية في فكر الإمام علي عليه السلام: 1- العدل

635 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-09-2024

بقلم: د. جليل منصور العريَّض

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:
يعد حكماء اليونان العدل من الفضائل الأربع الرئيسية([1])، والثلاث الباقية عندهم هي: الحكمة، والشجاعة، والعفة ويعرفه أرسطو (ت 322ق.م) على أنه «ذلك الكيف الأخلاقي الذي يحمل الناس على اتيان اشياء عادلة والذي هو العلة في فعلها وفي ارادة فعلها»([2]) فالعدل عند أرسطو ـ على ما يبدو ـ ليس ملكة فطرية لأنه حالة أو كيف، يمكن إدراكه من الأمور المضادة له، أي من الظلم، وهو على كل حال تعريف فلسفي، يكاد يقترب في مفهومه من التعريف اللغوي القائل بأن العدل «هو ما قام في النفوس أنه مستقيم وهو ضد الجور»([3]) فهو إذاً إحساس أو حالة داخلية، وقد عرفه المعجم بما يقابله في اللغة، ولم يحاول ان يبين لنا أنواع العدل، أما التعريف الكلامي فلا يمت إلى دراستنا عن العدل الأخلاقي بأية صلة، لأن العدل عند المتكلمين يبحث «في العلوم المتعلقة يتنزه الباري عن فعل القبيح والاخلال بالواجب»([4])، ولكن من خلال تعريفهم يمكن ان نخلص إلى ان العادل هو الذي يحاول تجنب فعل القبيح، وينأى بنفسه عن الاخلال بالواجب([5])، الا اننا مازلنا ندور في فلك التعريف الفلسفي للعدل، والتقصير على التنظير، علاوة على ذلك فإننا لم نتمكن من معرفة الميادين الأخلاقية التي توصلنا إلى ادراك مفهوم العدل كقيمة خلقية، مما يلجئنا إلى الاستعانة بالتعريف الشرعي، فقد يكون أكثر تحديداً ووضوحاً بقوله ان العدل «عبارة الاستقامة على طريق الحق بالاختيار عما هو محظور ديناً»([6]) فالعدل من وجهة نظر اسلامية قيمة خلقية ذات اهمية كبيرة جدا بالنسبة للفرد والمجتمع على السواء، حتى لنكاد نتصور استحالة الحياة في مجتمع يفتقر إلى ابسط قواعد العدل، وهو على ما يبدو من خلال ممارسته «نوعان: نوع يوصف به الفرد فيقال انسان عادل، ونوع يوصف به المجتمع والحكومة»([7]). وقد امرنا القرآن الكريم بمباشرة العدل في جميع مجالات الحياة، ونظراً لقيمته الأخلاقية الهامة والكامنة اولاً وقبل كل شيء في تفاهم الفرد مع نفسه كما في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لله وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}([8]) ويبرز العدل أيضاً كمنظم للمجتمع في مجال العلاقات الاسرية، حيث يرى الإسلام استحالة تحقيقه، إذا ما تفرعت الميول وتعددت الاتجاهات ففي مجال تعدد الزوجات جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى:
{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}([9]). فاستحالة تحقيق العدل في العلاقات الاسرية ينتج، كما يبدو من فهمنا للآية الكريمة، من تحكيم العاطفة وتغليبها على العقل، لذلك جاء الأمر بالعدل حتى في الأقوال مهما كانت النتائج المترتبة على ذلك دون وضع أي اعتبار لأية صلة في قوله تعالى:
{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}([10])،)([11]).

الهوامش:
([1]) راجع ـ خياط ـ معجم المصطلحات العلمية والفنية ص 434.
([2]) علم الأخلاق 2/55.
([3]) لسان العرب ـ مادة عدل.
([4]) الطريحي ـ مجمع البحرين 5/420، 421.
([5]) راجع ـ الشريف المرتضى ـ رسائل الشريف المرتضى 3/12، القاضي عبد الجبار ـ فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة ص 348.
([6]) مارسيل بوزار ـ إنسانية الإسلام ص 130.
([7]) أحمد أميين ـ كتاب الأخلاق 220.
([8]) النساء /135.
([9]) النساء /129.
([10]) الانعام /152.
([11]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 429-431.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2210 Seconds