بقلم: د. جليل منصور العريَّض
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
الحقوق التي يتعين على الفرد مزاولتها لتكتمل سعادته ـ كما يرى علي عليه السلام ـ متعددة منها:
حق الله.
يتجلى الرب على عباده في جميع نواحي الحياة المتعلقة بمعيشتهم على الأرض، وقد عرض علي عليه السلام في نهج البلاغة إلى كثير من هذه الحقوق التي منها: حقه سبحانه وتعالى على عباده في التعرف على ذاته وقد اوكل علي عليه السلام تلك المعرفة إلى القرآن الكريم والى السنة النبوية الشريفة، يقول لمن سأله عن وصف الرب سبحانه «فانظر أيها السائل، فما دلك القرآن عليه من صفته فأتم به واستضئ بنوره، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وائمة الهدى اثره، فكل علمه إلى الله سبحانه، فإن ذلك منتهى حق الله عليك»([1]) فمن حق المسلم ان يفكر في الذات الإلهية، ولكن في حدود ما رسمه الدين بمصدريه الرئيسيين، وذلك حسماً للخلاف وتجنباً من المروق، فمن حق الله عليك حتى تعبده حق عبادته ان تعرفه. واذا كان ذلك حقه سبحانه نحو ذاته القدسية فإن من حقوقه على العباد نحوهم، مراعاة بعضهم البعض، بالتناصح فيما بينهم، وبذل العون إلى محتاجهم وضعيفهم، والعلم بما سنه الله من حقوق دون الاخلال بشيء منها([2])ومن حقوقه سبحانه، ما فرضه على عباده من نصيب فيما رزقهم من مال، وهو حق من الأهمية بمكان، لأن صيانة المجتمع من الانزلاق في هاوية الشح والفوضى والتسلط والحسد تتوقف على أدائه فهو في أساسه تطهير للنفس بالنسبة للمعطي والسمو بها عن التكالب الدؤوب على شهوات الدنيا، وهو في ذات الوقت طمأنة لنفس الفقير بتحسيسه بأن هناك ثمة من يعطف عليه ويحاول التخفيف من محنة الفقر التي يعيشها، وبهذا الحق الإلهي يزول الحقد والحسد، باستجابة النفس لنداء الواجب والحب فيأمن الغني على ماله ويطمئن الفقير على حاله، لذلك نجد علياً عليه السلام ومن منطق اسلامي سمى الزكاة (حق الله)، فضمن وصيته لعماله على الصدقات، يأمر كل منهم إذا وصل إلى مكان عمله وتجمع الناس حوله بالقول «أرسلني إليكم ولي الله وخليفته، لأخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم حق فتؤدونه»([3]) والسؤال في السياق يدل كما يبدو، أن الزكاة في فكر علي عليه السلام ، وإن كانت واجبة على كل مسلم في ماله نصاب يستحق إخراجها، إلا أنها لا تؤخذ منه كرهاً لأن في إخراجها بطريق الإكراه ما يفقدها قيمتها الأخلاقية، فالاقتناع الداخلي من لدن الإنسان بأنها حق الهي هو المحرك لقيمتها الأخلاقية، فحق الله سبحانه على الإنسان، يجب أن ينبع من فكر الإنسان، والاقتناع الذاتي بذلك الحق دون أي تأثير خارجي كما يرى علي عليه السلام وهو القائل «من عرف نفسه فقد عرف ربه»([4]))([5]).
الهوامش:
([1]) خطب ـ 90 ـ الفقرة 2.
([2]) يمكن استخلاص كل ذلك من ـ الخطب 98 فقرة9، 178 فقرة 5، 192 فقرة 3، 210 فقرة 3، 211 فقرة 1، 239 فقرة 3، والحكمة رقم 243.
([3]) رسائل ـ25.
([4]) ابن أبي الحديد 20/ 292.
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 442-444.