مِنَ الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام) الحلقة (4): الدلالة القرآنية للفظة (فاسق) ونظائرها:{فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ}

مقالات وبحوث

مِنَ الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام) الحلقة (4): الدلالة القرآنية للفظة (فاسق) ونظائرها:{فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ}

347 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 27-05-2025

بقلم: رضي فاهم عيدان

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه حمدًا كثيرًا وأعوذ به من شر نفسي إنّ النفس لأمارةٌ بالسوء إلاّ ما رحم ربي، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّدٍ الأمين وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

إما بعد:

أما لفظة (فاسق) فلم تتكرر – زيادة على الآية المبحوثة - في التعبير القرآني إلا في موردٍ آخر([1]) وهو قوله تعالى :{ياَ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات:6]([2]).

ولفظةُ ( تَبيَّنوا ) تشيرُ إلى عدمِ عدالتِه واحتمالِ تحريفِه لِما يأتي بهِ من أنباء ؛ جاء في تاج العروس: ((التَّبْيينُ: التَّثبُّتُ في الأَمْرِ والتَّأَني فيه))([3]) وهو من التَّفعُّل؛ قال ابنُ عاشور(ت1393هـ) :((التبيّن : شدَّةُ طلبِ البيان ، أي التأمُّل القويُّ ، حسبَما تقتضيهِ صيغةُ التفعُّل))([4]).

    وبهذا المعنى يمكنُ القولَ إنَّ من صفات مَنْ كان فاسقًا في الآيةِ الكريمةِ أن يكون كاذبًا ؛ بعدِّه خارجًا على الفطرةِ الإنسانية ، فيوافقُ المعنى اللُّغَوي ، ويساعدُه أنه استُعمل في مُقابلةِ (مؤمنا) المتقدم ذكره ومعناها مأخوذٌ من الصدقِ فهو مُصَدِّق ومَنْ يقابلُه يكونُ كاذباً .

 وقد استُعمل (الفِسقُ) في القرآن الكريم بمعنى الكَذِب ؛ ومنه قوله تعالى : {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}[البقرة:59] فتبديل القول يعدُ فسقًا وكذلك قوله تعالى :{وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}[الأنعام:49]   {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}[ السجدة:20] .

    ويبدو أن إيثارَ استعمال ( فاسق) بدلاً من كاذب ومقابلته بـ(مؤمن) في الآية مورد البحث كما أشارت دلالة (مَنْ كان مؤمنًا ) على سبقِ الإيمان وثباته وتفرد صاحبه ، كذا يدل ( كان فاسقًا ) على سبقِ الفِسقِ واستقراره فيه وخروجه عن إيمانه بارتكابه المعاصي بحسب المعنى اللغوي لمفهوم الفسق ، فالمقابلة قائمة بين ذات وُصفت بالإيمانِ واشتُهرت به وأخرى فاسقةٌ سَبق منها الفسقُ واشتَهرتْ به وفيه معنى المفاضلة بقرينة (لايستوون )؛  قال ابن عاشور : ((إن نفي الاستواء ونحوه بين شيئين يُراد به غالباً تفضيل أحدهما على مُقابله بحسب دلالة السياق))([5]).      

     والتعبير بواو الجماعة في ( لايستوون ) لاينفي المقابلةَ أو المفاضلةَ بينَ الطرفين لأنَّ التثنيةَ فيها معنى الجمع ؛ قال الزجاج(ت316هـ):((يجوزُ أنْ يكونَ( لايستوون ) للأثنين ، لأن معنى الإثنين جماعة ))([6]) ويرجح ذلك التعبير باسم الفاعل بهيأة المفرد فالمقابلة بين ( مؤمن ) و ( فاسق ) وهو من باب الحمل على المعنى ، وهذه الدلالة لا تمنع من إرادة دلالة المقابلة بين جنس المؤمن والكافر فهم لا يستوون بحال .

   ويخلص الباحث إلى أنَّ أبرز السمات الدلالية المُمَيِّزة للآية مورد البحث التي أوضحت خصوصيتها تلك التي ظهرت عِبر جملة الصلة الدَّالة على عهدية ( مَن كان مؤمنًا ) ، بالإضافة إلى إيراد اسم الفاعل ( مؤمن ) خبرًا لكان وهو ما انفردت به ، وهو أمرٌ يُبرز عمقَ الإيمان في هذه الذات فكان المصداق والمثال الواقعي بتلبسه بالإيمان لكل الآيات القرآنية التي اشترطت حصول الإيمان مقابل ما تعهدت به من جزاء ولم يرد فيها الإيمان متحققًا([7]) . 

الهوامش:
([1]) ينظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: 660.
([2]) من المناسب التنويه الى أن الفاسق المعني به في الآية الكريمة بحسب ماورد في أسباب النزول هوذات الشخص المعني به في الآية موضوعة البحث وهو الوليد بن عقبة بن أبي معيط : يُنظر أسباب النزول:ص263
([3]) تاج العروس من جواهر القاموس: ج34/ص 309.
([4]) التحرير والتنوير ج4/ ص255.
([5]) التحرير والتنوير: 25/56.
([6]) معاني القرآن وإعرابه: 4/208، وينظر أيضا: إعراب القرآن: 3/295.
([7]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الآيات المتعلقة بالإمام علي (عليه السلام)/ دراسة في ضوء المعنى النحوي الدلالي، تأليف: رضي فاهم عيدان، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 66-69.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3057 Seconds