الباحث: سَلَام مَكّيّ خُضَيُّر الطَّائيّ
الحمد لله رب العالمين الذي أرسل محمداً صلَّى الله عليه وآله الى الخلق كافة فجعله بشيراً ونذيراً وخصَّه بأشرف الذريّة فاذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً.
أمَّا بعد:
فالحديث عن العترة الطَّاهرة من آل بيت النَّبيّ (صلوات الله عليهم)، لا تسعه مجلدات، كالمعين الذي مهما انتهلنا منه ماءً لا ينضب، ولكن من الممكن أن نذكر في مقالتنا هذه بعض فضائل آل بيت النَّبيّ مُحَمَّد (صلوات الله عليهم)، التي تختص بكلّ من اتّبع آل البيت (صلوات الله عليهم) وأحبَّهم في حياة النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله)، بعد استشهاده، التي جاءت في كتب السيرة والشمائل، والتي تؤكد على سرّ نجاة الأُمَّة من الهلاك والضياع وجوازها الصراط المستقيم، عبر إتَّباع أولي الأمر من آل البيت (عليهم السَّلَام)، والمتمثّلين بالإمام عَلَيّ والزَّهراء وعترتهم (عليهم السَّلَام) الأخيار، وذلك لأنَّ التَّمسّك بهم واتّباعهم وموالاتهم ومودَّتهم ومحبَّتهم، فرضٌ علينا من الله تعالى، لأنَّهم أولي الأمر بعد النَّبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله)، وذلك ما أشار به (عزَّ اسمه): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ﴾[1].
وكذلك بعد أن أمرنا الله تعالى بإتّباعهم وموالاتهم (عليهم السَّلَام)، أمرنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وأكَّد على اتباعهم والتّمسّك بهم، فروى عنه (صلَّى الله عليه وآله) أحاديث تبيّن لنا أهميَّة اتباع وموالاة آل البيت (عليهم السَّلَام)، والتّقرّب منهم وعدم الخروج عن مسارهم بعده (صلى الله عليه وآله)، فمن هذه الأحاديث: ما روي في كتاب الطّبراني أنَّه (صلَّى الله عليه وآله) قال: (فإنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب الله حبل ممدود بين السَّماء والأرض وعترتي أهل بيتي، وإنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عَلَيّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟)[2].
فبهذا الحديث وغيره أصبح الأمر واضحاً جلياً أنَّ باتّباع عترة آل البيت (عليهم السَّلَام) والتَّسليم لهم وبموالاتنا لهم نجاتنا وجوازنا الصّراط المستقيم يوم القيامة،﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[3]، فمن تمسَّك بالقرآن الكريم وما أتى به وبحَبِّهم يتقرَّب العبد إلى خالقه (عزَّ وجلّ)، وينال رضاه في الدنيا والآخرة وغفرانه لذنوبه.
وروي عن الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله)، بحقّ من اتبع الإمام عَلِيّ والعترة الطَّاهرة (عليهم السَّلَام)، أنَّه قال (صلَّى الله عليه وآله): (إن حب أهل بيتي ينفع من أحبهم في سبع مواطن مهولة: عند الموت، وفي القبر وعند القيام من الأجداث ، وعند تطاير الصحف وعند الميزان ، وعند الصراط)[4].
أي إنَّ من تمسَّك بالإمام عَلِيَ وعترته (عليهم السَّلَام)، وكان محبّاً لهم ومخلصاً لهم بالموالاة والطَّاعة، وممتثلاً لأوامرهم ومنتهياً بنواهيهم (عليهم السَّلَام)، فاز برضى الله تعالى في الدنيا والآخرة، وينجو من آلم خروج روحه عند الموت وهولها، وأبعد عنه خوف ضغطة القبر، وكذلك تكون كفة ميزان حسناته في يوم الحساب أثقل من كفة السيئات، وبعد ذلك يستطيع العبور على الصراط المستقيم بأمانٍ.
فإذا أحبَّ المؤمن أن يكون متجاوزاً لكل هذه العقبات المتعلقة بنجاته من هول لحظة خروج الرُّوح من الجسد وضغطة القبر وجميع ما تقدَّم من المتعلقات في الآخرة، فلابد له أن يكون ملتزماً بأمر الله (عزَّ وجل)، باتباع آل البيت (عليهم السَّلَام)، ومن ثُمَّ أن يكون ملتزماً بأمر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ووصيَّته باتّباعهم والتَّمسّك بهم (عليهم السَّلَام).
ويدلّ على كلّ ما تقدَّم قول الرَّسول الأكرم(صلَّى الله عليه وآله)، إذ رُوي عنه أنَّه قال: (فمن أحب أن يكون آمنا في هذه المواطن فليوال عَلِيّاً بعدي وليتمسك بالحبل المتين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) وعترته من بعده، فإنّهم خلفائي وأوليائي، وحبّهم حبّي، سادة الأولياء وقادة الأتقياء، وبقية الأنبياء، حربهم حربيّ وعدوّهم عدويّ)[5].
وختاما نسأل الله العَلِيّ القدير أن يجعلنا وإيَّاكم من الناجين في يوم الورود بشفاعة مُحَمَّد وآله الأطهار (عليه وعليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، بحقِّهم ومقامهم عنده (سبحانه وتعالى).
الهوامش:
[1] من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾، النّساء: 59.
[2] المعجم الكبير للطّبراني: 3/66.
[3] الشُّعَراء: 88-89.
[4] مشارق أنوار اليقين للبرسي:88.
[5] المصدر نفسه.