ميزان الحق عند علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الباحث: الشّيخ سجاد عبد الحليم الرّبيعي
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصَّلَاة والتَّسليم على طبيب نفوسنا وحبيب قلوبنا مُحَمّد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته وصحبه المنتجبين.
يعد الحق في منظور أمير المؤمنين(عليه السلام) عبارة عن التبادل الذاتي والعامل المحرك للفرد والمجتمع في طريق بناء الذات والمجتمع، وهذا التبادل بمفهومه العملي، هو ما يرمي إليه (عليه السلام) من مفهومه للحق، فقوله:( فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ ، وأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ)[1].
يعني أنَّ الحق كنظرية متمثلة في الوصف القولي، هو من الاتساع بحيث لا يقاس ولا يحيد، ولكن سرعان ما يضيق وتنكر كل صفاته إذا ما أريد له أن يوجد في حيز التطبيق. ويريد علي عليه السلام من وراء تبيانه لتلك الخاصية، الحق العملي البعيد كل البعد عن الاقوال كما في قوله بان الحق (لَا يَجْرِي لأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْه ، ولَا يَجْرِي عَلَيْه إِلَّا جَرَى لَه)[2]. فهو اخذ وعطاء مستمران باستمرارية الحياة، وبين جميع البشر، وعلى جميع المستويات الاجتماعية لأنه دستور حياة، ولا يمكن لأي فرد مهما علت منزلته وسمت مكانته، ان تكون له حقوق، دون ان تكون عليه واجبات تسمى حقوقاً بالنسبة للغير،( ولَوْ كَانَ لأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَه ولَا يَجْرِيَ عَلَيْه ، لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّه سُبْحَانَه دُونَ خَلْقِه ، لِقُدْرَتِه عَلَى عِبَادِه ولِعَدْلِه فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْه صُرُوفُ قَضَائِه)[3].
هو ما لم يلزم به الله عباده لتدبروا معنى الحق في علاقتهم ومع نفوسهم لذلك،( ولَكِنَّه سُبْحَانَه جَعَلَ حَقَّه عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوه ، وجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْه مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ)[4] .
فالحق : كما يبدو لنا في رؤية الإمام علي (عليه السلام) ، ليس بالرجال كما يتراءى للبعض، عن طريق منطقهم او ما يحدثنا به التاريخ من سيرهم، ولكن الرجال يعرفون بالحق.
روى انه عليه السلام قال : (يا حار انه الملبوس عليك ، ان الحق لا يعرف بالرجال وانما الرجال يعرفون بالحق ، فاعرف الحق تعرف أهله قلوا أو كثروا واعرف الباطل تعرف أهله قلوا أم كثروا )[5].
وإذا تتبعنا الحق كمنبع من منابع القيم الخلقية ، في فكر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، سنجد أنّه بمثابة الحزم الضوئية المنبعثة من مصدر واحد يلم في داخله كل ما أمكنه من المعاني الخيرة التي تهدف إلى بناء الإنسان وسعادته بتكوينه تكويناً متوازناً مع نفسه ومتسقاً في علاقته بالآخرين.
الهوامش:
[1] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع )،(ت: 40 هـ)، تحقيق : شرح : الشيخ محمد عبده، ط1 : 1412 - 1370 ش ، مط النهضة – قم ، دار الذخائر - قم – ايران: 2 / 198 .
[2] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 2 /198 .
[3] المصدر نفسه: 2 /198 .
[4] المصدر نفسه: 2 /198 .
[5]منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قطب الدين الراوندي(ت: 573هـ)، تحقيق : السيد عبد اللطيف الكوهكمري، 1406 ، مط الخيام – قم، مكتبة آية الله المرعشي العامة – قم:3 / 374 .