قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
(وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه واله)، بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه، ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ، ولَقَدْ قَرَنَ اللَّه بِه (صلى الله عليه واله)، مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه، يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه، ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه واله) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (صلى الله عليه واله)، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ، فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ ولَقَدْ كُنْتُ مَعَه (صلى الله عليه واله) لَمَّا أَتَاه الْمَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَه يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً، لَمْ يَدَّعِه آبَاؤُكَ ولَا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ، ونَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْه وأَرَيْتَنَاه، عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ ورَسُولٌ، وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، فَقَالَ (صلى الله عليه واله) ومَا تَسْأَلُونَ قَالُوا، تَدْعُو لَنَا هَذِه الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا، وتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ (صلى الله عليه واله)، (إِنَّ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فَإِنْ فَعَلَ اللَّه لَكُمْ ذَلِكَ أَتُؤْمِنُونَ وتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ، قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ، وإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ، وإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ ومَنْ يُحَزِّبُ الأَحْزَابَ، ثُمَّ قَالَ (صلى الله عليه واله) يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ، إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّه والْيَوْمِ الآخِرِ، وتَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّه فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ، حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللَّه، فَوَالَّذِي بَعَثَه بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا، وجَاءَتْ ولَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ، وقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ، حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه واله) مُرَفْرِفَةً، وأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه واله)، وبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وكُنْتُ عَنْ يَمِينِه (صلى الله عليه واله)، فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً واسْتِكْبَاراً، فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا ويَبْقَى نِصْفُهَا، فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْه نِصْفُهَا، كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وأَشَدِّه دَوِيّاً، فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه واله)، فَقَالُوا كُفْراً وعُتُوّاً فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ، فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِه كَمَا كَانَ، فَأَمَرَه (صلى الله عليه واله) فَرَجَعَ فَقُلْتُ أَنَا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّه، وأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى، تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وإِجْلَالًا لِكَلِمَتِكَ، فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ * ( ساحِرٌ كَذَّابٌ ) * عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيه، وهَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلَّا مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي، وإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّه لَوْمَةُ لَائِمٍ، سِيمَاهُمْ سِيمَا الصِّدِّيقِينَ وكَلَامُهُمْ كَلَامُ الأَبْرَارِ، عُمَّارُ اللَّيْلِ ومَنَارُ النَّهَارِ، مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ اللَّه وسُنَنَ رَسُولِه، لَا يَسْتَكْبِرُونَ ولَا يَعْلُونَ، ولَا يَغُلُّونَ ولَا يُفْسِدُونَ، قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ وأَجْسَادُهُمْ فِي الْعَمَلِ).
(1)، (نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، الخطبة: 192، ص300 - 302).
وقال (عليه السلام): (لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه واله)، أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّه ولَا عَلَى رَسُولِه سَاعَةً قَطُّ، ولَقَدْ وَاسَيْتُه بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ، الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الأَبْطَالُ، وتَتَأَخَّرُ فِيهَا الأَقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللَّه بِهَا، ولَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه واله) وإِنَّ رَأْسَه لَعَلَى صَدْرِي، ولَقَدْ سَالَتْ نَفْسُه فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي، ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه (صلى الله عليه واله) والْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي، فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِيَةُ، مَلأٌ يَهْبِطُ ومَلأٌ يَعْرُجُ، ومَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ، يُصَلُّونَ عَلَيْه حَتَّى وَارَيْنَاه فِي ضَرِيحِه، فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِه مِنِّي حَيّاً ومَيِّتاً، فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ) .
(2)، (نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، الخطبة: 195، ص311).