من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((قُسِّمَ)) في قوله عليه السلام: «وَقُسِّمَ جَمْعُهُ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((قُسِّمَ)) في قوله عليه السلام: «وَقُسِّمَ جَمْعُهُ»

912 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 21-09-2024

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:

قُسِّمَ

تدلُّ مادَّة (قسم) في اللُّغة على التَّجزئة، والتَّشطير، والتَّفريق، والإبعاد، والفرز. جاء في (العين): «القَسْمُ مصدر قَسَمَ يَقْسِمُ قَسْماً، والقِسْمَةُ مصدر الاقتسام، ويقال أَيضاً: قَسَمَ بينهم قِسْمَةً»([1]).
وقال ابن سيده: «قسم الشَّي يقسمه قسماً، وقسَّمه: جزَّأَه... وتقسَّموا الشَّيء، واقتسموه، وتقاسموه: قسَّموه بينهم... وقاسمته المال: أَخذت منه قِسْمَكَ، وأَخذ قسمه. وقسيمك: الَّذي يقاسمك أَرضاً أَو داراً أَو مالاً بينك وبينه... وهذا قسيم هذا، أَيْ: شطره... وقسمهم الدهر يقسمهم وقسَّمهم: فرَّقهم قسماً هنا وقسماً هنا. ونوى قسوم: مفرَّقة مبعَّدة»([2]).
وجاء في (المصباح المنير): «قَسَمْتُه قَسْماً من باب ضرب فرزتُه أَجزاءاً فانقسم، والموضع مَقْسِمٌ مثل مسجد، والفاعل قاسم، وقسَّام مبالغة» ([3]).
وتطابقت دلالة هذا الفعل (قُسِّمَ) في الخطبة مع دلالته اللُّغوية؛ إذ أَورده أَمير المؤمنين (عليه السلام) مرَّةً واحدة في الخطبة، إذ قال (عليه السلام): «وَقُسِّمَ جَمْعُهُ». فيتفرَّق مَنْ كان حول ذلك الميِّت ــ كما قلتُ ــ ؛ ليفكِّروا، ويقتربوا، ويصيروا إلى ما هو أَهمُّ منه، وهو ما جمعه ذلك الإنسان الميِّت ــ التَّركة ــ، فيجزِّؤنه، ويشطرونه، ويفرِّقونه، ويفرزونه، ويبعِّدونه عنه بتقاسمهم إيَّاه فيما بينهم.
وقد جاء أَمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا الفعل مبنيّاً للمجهول، وتقدَّم أَنَّ لحذف الفاعل، وإقامة المفعول مقامه أَغراضاً لفظيَّة ومعنويَّة ([4])، ومن المعنوية: التَّركيز على الحدث، وهو ما ابتغاه أَمير المؤمنين (عليه السلام) مع هذا الفعل؛ فأَراد (عليه السلام) أَنْ يبيِّن أَنَّ ما يجمعه ذلك الإنسان الميِّت صائر إلى التَّجزئة، والتَّشطير، والتَّفريق، والفرز، والإبعاد عنه، وواضح أَنَّ الوَرَثَة هم مَنْ يقوم بذلك.
و(قسم) فعل ماضٍ مبنيٌّ للمجهول، مبنيٌّ على الفتح، و(جمعه) نائب فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضَّمَّة الظَّاهرة على آخره، وهو مضاف، والهاء: ضمير متَّصل مبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ جرٍّ بالإضافة، عائد إلى (من جذبت نفسه). وجملة (وقستم جمعه) معطوفة على جملة (تفرق عنه عدده).)([5]).

الهوامش:
([1]) العين: 1/383. وينظر: تهذيب اللغة: 3/171، والصحاح في اللغة: 2/77، والمحيط في اللغة: 1/451.
([2]) المحكم والمحيط الأعظم:3/7. وينظر: معجم مقاييس اللغة:5/73، ولسان العرب:13/478، وتاج العروس:1/7885.
([3]) المصباح المنير:7/399.
([4]) ينظر: الفعل (جذبت) من الكتاب.
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص196-198.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3005 Seconds