ان أهم ما يلزم التنبيه عليه ونحن نقدّم هذا الكتاب الموسوم بـ(الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة) هو أن الإدارة بمفهومها المعاصر وجذورها القرآنية والنبوية التي كانت تدور في فلك مفهوم التدبير كقوله تعالى:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾[1].
لا يرتكز على كون الإدارة نظرية يمكن استنتاجها من فكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وذلك أن مفهوم النظرية ومعناها ومدلولها العلمي قائم على الاحتمالية التي تتعايش مع نسبة من الواقعية ومحاولة تفسير قطّاع محدود من الظواهر.
من هنا: ذهب بعض الباحثين إلى (أن النظرية بسبب اتساعها يبقى صدقها احتمالياً مهما بلغ النجاح فيها)[2]، على حين تكون النظرية عند الإمام المعصوم (سلام الله عليه) خاضعة لتفسير الظاهرة أو القانون أو القاعدة طبقاً لعين الواقع، ولذا فهي قطعية لاستحالة نفوذ الظنون والاحتمالات إليها.
ومن ثم هناك فارق شاسع بين تقديم الباحث لنظريته وتفسيره لظاهرة محدودة ضمن قطاع محدّد، وبين أن يقدم المعصوم رؤيته وتفسيره المرتكز على عين الواقع الذي سنّه الله تعالى ومن ثم غير قابل للتغيير والتبديل ما لم يتغير أصل الواقع المسنون من الله تعالى.
وعليه: فالإمام علي (عليه السلام) لا ينظر في ظواهر محدّدة كالإدارة أو الاقتصاد أو السياسة وغيرها من الظواهر الحياتية وقيامها ونظامها وسيرانها؛ وإلا لتساوى مع غيره من الناس؛ على حين وكما اسندت الباحثة بحثها هذا في إدارة الدولة والخلافة قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد)[3].
ولذا: فنحن اليوم بحاجة إلى إظهار هذه العلوم التي واكبت حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) واستخدام العلوم الحديثة كأداة لفهم ما أظهره أمير المؤمنين (عليه السلام) وذلك أن هذه العلوم العلوية المحمدية لا تقبل الظنون والاحتمالات ولعلّ تقصير الباحثين في سعيهم لجمع هذا الإرث الإنساني هو الذي زاد في ظلامة آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) وحرم البشرية من الانتفاع بها.
الهوامش:
[1] سورة يونس: الآية 3.
[2] د. محمد نجيب: أسس البحث العلمي: ص43.
[3] ابن أبي الحديد: شرح النهج: خطبة (2).