اليأس والرجاء

سلسلة قصار الحكم

اليأس والرجاء

6K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 17-08-2020

الباحِث: سَلَام مَكيّ خضيّر الطَّائِيّ

الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين والغرّ الميامين المنتجبين، واللعن الدَّائم على أعدائِهم إلى قيامِ يوم الدِّين، من الأولين والآخرين...
أما بعد:
فإنَّ ما سنتناوله في موضوعنا هذا هو: مفهوم اليأس والرَّجاء الذي أخذ مجالًا واسعًا من  الآيات القرآنية، ومن كلام الرَّسول الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، وعترته الطَّاهرين (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، لا سيما من كلام أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، وسنتابع هذين المفهومين في هذه العجالة بحسب ما يسمح به المقام.
مفهوم اليأس والرَّجاء لغة:
اليأس: يُقَال: اليَأَسُ واليَآسَةُ، واليَأْسُ، مُحَرّكة: القُنُوطُ، وهو ضِدٌّ الرَّجاءِ، أَو هو قَطْعُ الأَمَلِ عن الشَّيْءِ[1].
وأما الرجاء: فهو بين الامل والطمع، فإن الراجي قد يخاف أن لا يحصل مأموله، ولهذا يستعمل بمعنى الخوف[2].
ومنه قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ﴾[3]، أي: يخافه[4].
فإنَّ الرجاء توقع حصول المطلوب، واليأس قطع الرَّجاء عن الأشياء التي يمكن الحصول عليها، ثم نقول: ليس المقصود أنَّ اليأس نفسه له صفه الحرية بما يحمل من معنى القطع عمَّا في أيدي النَّاس، ولا الرجاء له صفه العبودية بما يمنح الراجي من النظر لما في يدي غيره على جهة الحقيقة، بل اطلاق لفظ الحر والعبد على الراجي والآيس مجازيا بالنسبة إلى من وِضِعَا له[5].
وهنا المقصود بـ(اليأس) ليس اليأس من رحمة الله تعالى ومن عطفة ورحمته للعباد؛ ولكن اليأس من الطمع والحصول على ما هو زائل من مغريات الدنيا فضلًا عن اليأس ممَّا في أيدي أقرانه ممَّن هم ليسوا أهلًا، وممَّا ورد عن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالبٍ (عليه السَّلَام) في هذا الشأن قوله: (اليأس حرّ والرَّجاء عبد)[6].
ويُفهم من كلام الإمام (عليه السَّلَام) أعلاه، أنَّ الفرد الذي يرجو لأمر ما أن يتحقق أو يتمنى أن ينال ويحصل على ما في أيدي الناس، - وليس الذي يرجو أن يرضى الله تعالى عنه ويدعوه أن يفوز بالجنَّة وغير ذلك، بل الذي يرجو أشياء الدنيا وزخرفتها الزائلة الفانيَّة، فهذا يكون تركيزه الفكري عليه، فنجده خاضعًا للمرجو منه، متذلّلًا له ما دامت نفسه منتظرة لذلك الأمر المرجو، ذابًّا عنه ساعيًا في مصالحه مجتهدًا في ارضائه بكل أنواع الرِّضا، ويظهر التَّودّد والتقرّب إليه، وحتى قد يكون لا يتمتع براحة نفسية وجسدية؛ بل نراه مشغولًا طوال الوقت بالتفكير في كيفية الحصول على مطلبه الدنيوي.
 وأمَّا ما يفهمه القارئ من المقطع الأول من قوله (عليه السَّلَام): (اليأس حرّ)، أي: أنَّ الفرد الذي يكون مقتنعًا بما لديه شاكرًا لله تعالى على نعمائه وعلى ما أعطاه، ولا ينظر إلى ما في أيدي الناس، آيسًا من الحصول عليه، أو آيسًا من الفوز بمطلبه الدنيوي الزائل، فلا نجد فيه ولا يظهر عليه، ما نجده ونراه وما يظهر على الفرد الراجي بالفوز لما يبتغيه من المرجو منه.
وأيضًا نرى أنَّ الفرد الآيس المنقطع الرَّجاء من الشيء يكون متخلص العنق من وثاق التذلل ولا يتخضع للمرجو منه، مكتفيًا بما أتاه الله تعالى من فضله ومَنِّه، ومتمتعًا براحةٍ نفسيةّ وعقلية وجسدية[7]، وهذا ما يبينه لنا ما ورد عن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) أنَّه قال: (الرَّاحة مع اليأس)، أي: أنَّ من أراد الاستراحة فلييأس عما في أيدي الناس وليتوكل على الله تعالى، فهو حسبه[8].
وهذا ما يسعنا أن نقدّمه عن موضوع اليأس والرَّجاء، وجعلنا الله تعالى وسائر المؤمنين من الذين يرجون عفوه ورضاه في الدنيا والآخرة، والاستغناء به عن غيره، ومن الآسيين عمَّا في أيدي الناس من الأشياء الزائلة، إنَّه سميعٌ مُجِيب...

الهوامش:
[1] ينظر: تاج العروس، الزَّبِيديّ: 9/48.
[2] الفروق اللغوية، أبو الهلال العسكري: 73.
[3] العنكبوت: 5.
[4] الفروق اللغوية: 74.
[5] ينظر: شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه أفضل الصَّلَاةِ والسَّلَامِ)، ابن ميثم البحراني: 168-169.
[6] المناقب، الموفق الخوارزمي: 376.
[7] ينظر: شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه أفضل الصَّلَاةِ والسَّلَامِ)، ابن ميثم البحراني: 168.
[8] شرحة كلمات أمير المؤمنين [الإمام] عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، عبد الوهَّاب:39.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2386 Seconds