بقلم: الشيخ محسن علي المعلم
((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
وبعد:
نتناول في هذه الحلقة تقيمه عليه السلام للعاملين في الدنيا، فيقول: «النَّاسُ فِي الدُّنْيَا عَامِلاَنِ: عَامِلٌ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا، قَدْ شَغَلَتْهُ دُنْيَاهُ عَنْ آخِرَتِهِ، يَخْشَى عَلَى مَنْ يَخْلُفُهُ الْفَقْرَ، وَيأْمَنُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيُفْنِي عُمُرَهُ فِي مَنْفَعَةِ غَيْرِهِ. وَعَامِلٌ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا، فَجَاءَهُ الَّذِي لَهُ مِنَ الدُّنْيَا بِغَيْرِ عَمَلٍ، فَأَحْرَزَ الْحَظَّيْنِ مَعاً، وَمَلَكَ الدَّارَيْنِ جَمِيعاً، فَأَصْبَحَ وَجِيهاً عِنْدَ اللهِ، لاَ يَسْأَلُ اللهَ حَاجَةً فَيَمْنَعَهُ»[1].
تصنيف دقيق وتقييم جامع لكافة من يعمل في الدنيا، ففئة همها ذاتها والدنيا، وفئة همها الله والآخرة، أما الصنف الاول فقد ملكت عليه الدنيا قلبه وجوارحه فلا ينظر إلا إليها ولا يعمل إلا لها، وأما آخرته فلا تخطر له على بال، فتراه يشقي نفسه لغير عائدة تنفعه، بل يكدح لغيره ويجمع لسواه غافلاً عن إسعاد نفسه متوهمًا بجمعه إغناء غيره فكأن بيده التوفير لمن يخلفه وكأنه بمأمن عن افتقار ذاته فيعيش شقاءه متخيرًا سعادة غيره وذلك غاية الحماقة والجهل.
وأما الصنف الثاني فإنه اعتد الدنيا ممرًا والآخرة مقرًّا. فهو عامل فيها لا لذاتها فليست هي بدار بقاء لا له ولا لمن يخلفه وإنما كل همه وغاية سعيه المنزل الأسمى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فهو على بينة ويقين بأن ما اكتسب فهو من عطاء الله وتقديره وتدبيره وليس بحوله وطوله وتعبه ونصبه فنال بذلك الحظين وأدرك السعادتين وملك الدارين بل وأصبح عند الله وجيها يدعو فيجاب ويسأل فيعطى.
وأي مقام أسمى يتبوأه العبد فيكون عند المولى مرموقًا منظورًا إليه بالعطف وكمال اللطف، هذا وللإمام عليه السلام حديث مستفيض شمل كثيرًا من شجونها وشؤونها بثه في نهج بلاغته ومنه ما جاء في بعض صفحات هذا الكتاب)[2].
الهوامش:
[1] م 269 /522.
[2] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 111-112.