بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي
الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
وبعد:
قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وصَغَّرَهَا، (وأَهْوَنَ بِهَا) [1] وهَوَّنَهَا، وعَلِمَ أَنَّ اللَّه زَوَاهَا عَنْه اخْتِيَاراً، وبَسَطَهَا لِغَيْرِه احْتِقَاراً، (فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا)[2] بِقَلْبِه، وأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِه[3] وأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِه، لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً، أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً، بَلَّغَ عَنْ رَبِّه مُعْذِراً، ونَصَحَ لأُمَّتِه مُنْذِراً، ودَعَا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً ، (وخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً)[4] [5].
شرح الألفاظ الغريبة:
زواها قبضها؛ الرياش: اللباس الفاخر؛ معذرا: مبيناً لله حجة تقوم مقام العذر في عقابهم إن خالفوا أمره[6].
شرح نهج ابن ميثم البحراني:
الفصل اقتصاص لحال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأوصافه الحميدة ليبني عليها ممادح نفسه بعد.
فتحقيره للدنيا وتصغيرها وتهوينها: إشارة إلى ما كان يجذب الخلق به عنها من ذكر مذامها وتعديد معايبها.
((وإهوانه بها)): إشارة إلى زهده فيها.
وعلمه بإزواء الله إياها عنه اختياراً: إشارة إلى أن زهده فيها كان عن علم منه باختيار الله له ذلك وتسبب أسبابه، وهو وجه مصلحته؛ ليستعد نفسه بذلك لكمال النبوة، والقيام بأعباء الخلافة الأرضية وبسطها لغيره احتقاراً لها.
وقد عرفت معنى الاختيار من الله لخلقه غير مرة، فكان إعراضه عنها بقلبه، إماتة ذكرها عن نفسه، ومحبته لأن تغيب زينتها عن عينه؛ لئلا يتخذ منها رياشاً ولا يرجو فيها مقاماً: جذباً للعناية الإلهية له عن الالتفات إلى الالتقاط إلى الكمالات المعلومة له، وعن أن ينحط لمحبتها عن مقامه الذي قضت العناية الإلهية بنظام العالم بسببه، ثم أعقب ذلك بذكر ثلاثة أحوال هي ثمره النبوة التي هي ثمرة الزهد المشار إليه، وهي: تبليغ رسالة ربه إعذاراً إلى خلقه أن يقولوا يوم القيامة {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[7]، والنصح لهم إنذاراً بالعذاب الأليم في عاقبة الإعراض عن الله، ودعائه إلى الجنة مبشراً لمن سلك سبيل الله ونهجه المستقيم بما أعد له فيها من النعيم المقيم[8].)([9]).
الهوامش:
[1] في نهج ابن ميثم: (وأهونها) بدل (وأهون بها).
[2] في شرح نهج ابن ميثم ومحمد عبده: (فأعرض عنها) بدل (فأعرض عن الدنيا).
[3] في نهج الشيخ العطار: (من نفسه) بدل (عن نفسه).
[4] جملة (وخوف من النار محذراً): ليس في نهج الشيخ العطار وابن ميثم ومحمد عبده.
[5] نهج البلاغة لصبحي صالح: 162/ ضمن الخطبة رقم 109، نهج البلاغة للمحقق الشيخ العطار: 215/ ضمن الخطبة رقم 108، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 71/ ضمن الخطبة رقم 106، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1: 232.
[6] شرح الألفاظ الغريبة: 616.
[7] الأعراف: 172.
[8] شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني 3: 71-72/ شرح الخطبة رقم 106.
([9]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 96-103.