الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام قوله عليه السلام ((ثم ان الدنيا دار فناء وعناء))

سلسلة قصار الحكم

الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام قوله عليه السلام ((ثم ان الدنيا دار فناء وعناء))

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-05-2023

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
في خطبة له وفيها مواعظ للناس، قال عليه السلام:
الْحَمْدُ لِلَّه الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ، والنِّعَمَ بِالشُّكْرِ نَحْمَدُه عَلَى آلَائِه،  كَمَا نَحْمَدُه عَلَى بَلَائِه، ونَسْتَعِينُه عَلَى هَذِه النُّفُوسِ الْبِطَاءِ،  عَمَّا أُمِرَتْ بِه،  السِّرَاعِ إِلَى مَا نُهِيَتْ عَنْه، ونَسْتَغْفِرُه مِمَّا أَحَاطَ بِه عِلْمُه، وأَحْصَاه كِتَابُه عِلْمٌ غَيْرُ قَاصِرٍ، وكِتَابٌ غَيْرُ مُغَادِرٍ، ونُؤْمِنُ بِه إِيمَانَ مَنْ عَايَنَ الْغُيُوبَ، ووَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ، إِيمَاناً نَفَى إِخْلَاصُه الشِّرْكَ ويَقِينُه الشَّكَّ، ونَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه، وأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّه عَلَيْه وآلِه وسَلَّمَ عَبْدُه ورَسُولُه، شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ وتَرْفَعَانِ الْعَمَلَ، لَا يَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيه، ولَا يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْه[1]
 أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّه بِتَقْوَى اللَّه، الَّتِي هِيَ الزَّادُ وبِهَا الْمَعَاذُ[2]:
 زَادٌ مُبْلِغٌ ومَعَاذٌ مُنْجِحٌ، دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ، ووَعَاهَا خَيْرُ وَاعٍ، فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا وفَازَ وَاعِيهَا.
 عِبَادَ اللَّه إِنَّ تَقْوَى اللَّه حَمَتْ أَوْلِيَاءَ اللَّه مَحَارِمَه، وأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَه، حَتَّى أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ وأَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ، فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ والرِّيَّ بِالظَّمَإِ، واسْتَقْرَبُوا الأَجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ، وكَذَّبُوا الأَمَلَ فَلَاحَظُوا الأَجَلَ.
 ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ وعَنَاءٍ وغِيَرٍ وعِبَرٍ، فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ [3] قَوْسَه، لَا تُخْطِئُ سِهَامُه، ولَا تُؤْسَى جِرَاحُه يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ، والصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ، والنَّاجِيَ بِالْعَطَبِ، آكِلٌ لَا يَشْبَعُ وشَارِبٌ لَا يَنْقَعُ، ومِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لَا يَأْكُلُ، ويَبْنِي مَا لَا يَسْكُنُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اللَّه تَعَالَى، لَا مَالًا حَمَلَ ولَا بِنَاءً نَقَلَ!
 ومِنْ غِيَرِهَا أَنَّكَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً، والْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً، لَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا نَعِيماً زَلَّ وبُؤْساً نَزَلَ. ومِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلَى أَمَلِه، فَيَقْتَطِعُه حُضُورُ أَجَلِه، فَلَا أَمَلٌ يُدْرَكُ، ولَا مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ. فَسُبْحَانَ اللَّه مَا أَعَزَّ [4] سُرُورَهَا! وأَظْمَأَ رِيَّهَا! وأَضْحَى فَيْئَهَا! لَا جَاءٍ يُرَدُّ ولَا مَاضٍ يَرْتَدُّ.
 فَسُبْحَانَ اللَّه، مَا أَقْرَبَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لِلَحَاقِه بِه، وأَبْعَدَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ لِانْقِطَاعِه عَنْه.
 إِنَّه لَيْسَ شَيْءٌ بِشَرٍّ مِنَ الشَّرِّ إِلَّا عِقَابُه، ولَيْسَ شَيْءٌ بِخَيْرٍ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا ثَوَابُه، وكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا سَمَاعُه أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِه، وكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الآخِرَةِ عِيَانُه أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِه، فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعِيَانِ السَّمَاعُ، ومِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ.
 واعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا، وزَادَ فِي الآخِرَةِ، خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الآخِرَةِ، وزَادَ فِي الدُّنْيَا، فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابِحٍ ومَزِيدٍ خَاسِرٍ، إِنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِه أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْه، ومَا أُحِلَّ
لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا كَثُرَ ومَا ضَاقَ لِمَا اتَّسَعَ [5]
شرح الألفاظ الغربية:
البِطاء: - بكسر الباء – جمع بطيئة؛ السراع: جمع السريعة؛ غير مغادر: غير تارك شيئاً إلا أحاط به؛ وعاها: حفظها وفهمها؛ حمى الشيء: منعه، أي منعتهم ارتكاب محرماته؛ الهواجر: جمع هاجرة شدة حر النهار، وقد أظمئت هذه الهواجر بالصيام؛ النصب: التعب؛ الدهر موتر قوسه: شبه بمن أوتر قوسه ليرمي بها أبناءه؛ تؤسي: تداوي، من أسوت الجراح داويته؛ لا ينقع لا يشتفي من العطش بالشرب[6].
الشرح:
في الخطبة لطائف:
الأولى: أنه صدر الخطبة بحمد الله تعالى باعتبارين:
أحدهما: وصله حمد حامديه بإفاضة نعمه عليهم، كما قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[7]، وسره أنّ العبد يستعد بشكر النعمة.
الثاني: وصله النعم التي يفيضها على عباده بإفاضة الاعتراف بها على أسرار قلوبهم، وقد علمت أن الاعتراف بالنعم هي حقيقة الشكر؛ فظهر إذن معنى وصله النعم بالشكر، وأن الشكر والتوفيق له نعم أخرى كما سبقت الإشارة إليه في الخطبة الأولى.
ويحتمل أن يريد الشكر منه تعالى لعباده الشاكرين كما قال تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}[8] وظاهر أن وصله نعمه بشكره في نهاية التفضل والإنعام، فإن الإحسان المتعارف يستتبع الشكر من المحسن إليه، فأما من المحسن فذلك تفضل آخر ورتبة أعلى.
الثانية: أنه نبه بتسويته بين حمده على النعماء وحمده على البلاء تنبيها منه على وجوب ذلك لأن النعمة قد تكون بلاء من الله كما قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}[9] والبلاء منه أيضاً نعمة يستحق به الثواب الآجل، وسبب النعمة نعمة، وبهذا الاعتبار يجب الشكر على البلاء أيضا كما يجب على النعماء؛ إذ الكل نعمة.
الثالثة: نبه على وجوب استعانته تعالى على النفوس، وذكر ما لأجله الاستعانة عليها، وهو كونها بطاء عما أمرت به من سائر التكاليف؛ وذلك لحاجة النفوس إلى مقاومة الطبيعة سراعاً إلى ما نهيت عنه من المعاصي وذلك لموافقتها مقتضى الطبيعة.
الرابعة: نبه على وجوب طلب المغفرة من الله لكل ذنب صغير أو كبير مما أحاط به علمه، وأحصاه كتابه المبين ولوحه المحفوظ – جبرئيل الأمين – علماً أحاط بكل شيء وكتاباً غير مغادر لشيء.
الخامسة: إنما خص إيمان من عاين الغيوب ووقف على الموعود، أي وقف على ما وعد به المتقون بعين الكشف؛ لكونه أقوى درجات الإيمان فإن الإيمان ما يكون بحسب التقليد، ومنه ما يكون بحسب البرهان وهو علم اليقين، وأقوى منه الإيمان بحسب الكشف والمشاهدة وهو عين اليقين، وذلك هو الإيمان الخالص فيه، وبحسب الإخلاص فيه يكون نفس الشرك، وبحسب يقينه يعني اعتقاد أن الأمر كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن أن يكون إلا كذا يكون نفي الشك، وقد علمت أنه عليه السلام من أهل هذه المرتبة.
السادسة: كون الشهادتين تصعدان القول وترفعان العمل؛ وذلك أن إخلاص الشهادتين أصل لقبول الأقوال والأعمال الصالحة لا يصعد إلى الله قول وعمل لا تكونان أصلا له وأشار إلى ذلك بقوله: ((لا يخف ميزان توضعان فيه ولا يثقل ميزان ترفعان منه)).
وقد أشرنا إلى معنى الوزن فيما سبق وسنزيده بياناً إن شاء الله تعالى.
السابعة: أراد بكون تقوى الله هي الزاد: أنها الزاد المبلغ، وأن بها المعاد: أي المعاد المنجح وذلك أوردهما تفسيراً.
الثامنة: أراد بأسمع داعٍ: أشد الداعين اسماعاً وتبليغاً، وهو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأراد بخير واع المسارعين إلى داعي الله الذين هم أفضل القوابل الإنسانية.
التاسعة: وصف ما يستلزم تقوى الله من الآثار في أولياء الله، ووصف الليالي بالسهر، والهواجر بالظمإ لكونهما ظرفين، فالليالي لقيام الصلاة والنهار للصوم؛ فكان مجازا من باب إطلاق صفة المظروف على الظرف، وهو كقولهم: نهاره صائم وليله قائم.
وأخذهم الراحة: أي في الآخرة.
بالنصب: أي بتعب الأبدان من القيام.
والري من عين تسمى سبيلاً بالاستعداد بظمإ الصيام.
والفاء في فبادروا، ولاحظا للتعليل؛ فإن استقراب الأجل مستلزم للعمل له ولما بعده، وكذلك تكذيب الأمل وانقطاعه ملازم لملاحظة الأجل.
العاشرة: ذكر مذام الدنيا إجمالاً، وهو كونها دار فناءٍ وعناءٍ، وغيرٍ وعبرٍ، ثم أعقب ذلك الإجماع بتفصيل كل جملة وذلك إلى قوله: ((ولا مؤمل يترك))، واستعار لفظ الإيتار لإيتار الدهر، ورشح بذكر القوس.
ووجه الاستعارة: إن الدهر كما يرمي بمصائبه المستندة إلى القضاء الإلهي الذي لا يتغير كما يرمي الرامي الذي لا يخطئ وكذلك استعار لفظ الجراح لنوائب الدهر لاشتراكهما في الإيلام ورشح بذكر عدم المداواة.
وكذلك استعار له لفظ الآكل والشارب عديمي الشبع والري.
ووجه المشابهة: كونه يأتي على الخلق فيفنيهم كما يأتي الآكل والشارب المذكوران على الطعام والشراب فيفنيانهما.
وأراد بالمرحوم الذي يرى مغبوطاً أهل المسكنة والفقر، الذي يتبدل فقرهم بالغنى فيغبطون، وبالمغبوط الذي يرى مرحوماً: أهل الغنى المتبدلين به فقراً بحسب تصاريف الدهر فيصيروا في محل الرحمة.
وقوله: ((ليس ذلك إلا نعيما زل)): أي عن المغبوطين، وبؤسا نزل بهم.
الحادية عشر: نسب الغرور إلى سرورها والظمأ إلى ريها والضحى إلى فيئها، وأتى بلفظ التعجب، وكنى بريها عن استتمام لذاتها، وبفيئها عن الركون إلى قنياتها والاعتماد عليها.
ووجه هذه النسب أن سرورها وفيئها هي الصوارف عن العمل للآخرة، والملفتات عن الإقبال على الله؛ فكان سرورها أقوى سبب للغرور بها، وريها وفيئها أقوى الأسباب لظمإ منهمك فيها من شراء الأبرار وأوجب لأبراره إلى حر الجحيم، فلهذه النسبة جازت إضافة الغرور والظمإ والضحى إلى سرورها وريها وفيئها.
وقوله: ((لاجاء يرد)): أي من آفات الدهر، كالموت والقتل ونحوهما.
((ولا ماض يرتد)): أي من الأموات، والفائت من القنيات.
الثانية عشر: قوله: ((إنه ليس شيء بشر من الشر إلا عقابه...)) إلى قوله: ((سماعه)): يحتمل أن يريد الشر والخير المطلقين، ويكون ذلك للمبالغة؛ إذ يقال للأمر الشريف والشديد: هذا أشد من الشديد، وأجود من الجيد.
ويحتمل أن يريد شر الدنيا وخيرها؛ فإن أعظم شر في الدنيا مستحقر في عقاب الله، وأعظم خير فيها مستحقر بالنسبة إلى ثواب الله.
ثم أكد ذلك بأعظمية أحوال الآخرة بالنسبة إلى أحوال الدنيا، ومصداق كلامه عليه السلام: إن أعظم شر يتصوره الإنسان بالسماع ويستهوله ويستنكره ممن يفعله صورة القتل والجراح، فإذا وقع في مثل تلك الأحوال وشاهدها واضطر إلى المخاصمة والمحاربة سهل عليه ما كان يستصعبه منها، وها ن في عينه ذلك الوقع والخوف.
وكذلك لا يزال الإنسان يتخوف المثول بين يدي الملوك ويتصور عظمتهم وبطشهم إلى أن يصل إلى مجالسهم فإنه يجد من نفسه زوال ذلك الخوف؛ فكانت مشاهدة ما كان يتصوره شرا عظيما أهون عنده من وصفه والسماع له، وكذلك حال الخير فإن الإنسان لا يزال يحصر على تحصيل الدرهم والدينار وغيرهما من سائر مطالب الدنيا، ويكون قلبه مشغولاً بتحصيله، فرحاً بانتظار وصوله فإذا وصل إليه هان عليه؛ وهو أمر وجداني.
وأما أحوال الآخرة، فالذي يسمعه من شرورها وخيراتها إنما يلاحظها بالنسبة إلى خيرات الدنيا وشرورها، وربما كان تفي اعتبار أكثر الخلق أهون من خيرات الدنيا وشرورها؛ لقرب الخلق من المحسوس، وقرب الدنيا منهم وذوقهم لها دون الآخرة – مع قيام البرهان العقلي على ضعف الأحوال الحاضرة من خير وشر بالقياس إلى أحوال الآخرة – فلذلك كان عيان أحوالها أعظم من سماعها.
وإذا كان الحال كذلك، فينبغي أن يكتفى من العيان بالسماع، ومن الغيب بالخير؛ حيث لا يمكن الاطلاع على الغيب ومشاهدة العيان لتلك الأحوال في هذا العالم.
ثم نبه على أفضلية الآخرة بأن ما زاد فيها مما يقرب إلى الله تعالى، فإن استلزم نقصان الدنيا من بذل مال أو جاه خير من العكس.
وبيان هذه الخيرية: كون خيرات الدنيا في معرض الزوال مشوبة بالأوجاع والأوجال (الأحوال – خ)، وكون تلك الباقية على كل حال مع كونها في نهاية الكمال.
وضرب المثل بالأكثرية المنقوص من الدنيا الرابح في الآخرة، وهم أولياء الله وأحبائه الذي اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وبأكثرية المزيد الخاسر {الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[10].
ثم أكد الحث على سلوك طريق الآخرة ببيان اتساعها بالنسبة إلى طريق الدنيا.
فقال: ((إن الذي أمر تم به أوسع من الذي نهيتم عنه)). وذلك ظاهر فإن كبائر ما نهينا عنه خمس:
القتل، وفي الحلم والعفو والصبر – التي هي من أشرف الأخلاق المحمودة – سعة عنه.
ثم الظلم، وفي العدل والاقتصار – على تناول الأمور المباحة التي هي أكثر وأوسع – سعة عنه.
ثم الكذب الذي هو رأس النفاق – وعليه يبتني خراب العالم، وفي المعاريض والصدق الذي هو بضده في عمارة العالم – مندوحة عنه.
ثم الزنا، ولا شك أن في سائر وجوه النكاحات – مع كثرتها وسلامتها عن المفاسد اللازمة – سعة عنه.
ثم شرب الخمر التي هي أم الخبائث ومنشأ كثير من الفساد، وفي تركها إلى ما يقارب أفعالها – التي تدعى كونها محمودة من سائر الأشربة وغيرها – معدل عنها وسعة.
وكذلك قوله: ((وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم)): فإن الواجب والمندوب والمباح والمكروه يصدق على جميعها اسم الحلال، وهي أكثر من الحرام الذي هو قسم واحد من الأحكام.
ثم لما نبه على وجه المصلحة في ترك المنهي والمحرم أردف ذلك بالأمر بتركهما؛ لأن العقل إذا لاحظ طريقاً مخوفاً واحداً بين طرق كثيرة آمنة اقتضى العدول عن المخوفة لضرورته[11])([12]).


[1] في نهج البلاغة للشيخ العطار: مِنْهُ.
[2] في شرح نهج ابن ميثم ونهج محمد عبده: (المَعَادُ) وبدل المَعَاذُ وفي المورد الثاني: (وَمَعَادٌ).
[3] في نهج ابن ميثم ومحمد عبده: (مُوَتِّرٌ) بتشديد التاء المكسورة.
[4] في نهج البلاغة لصبحي صالح: (أغَرَّ) بدل من (أغَر َّ).
[5] نهج البلاغة لصبحي صالح: 169-170/ خطبة رقم 114، وفي نهج البلاغة تحقيق الشيخ العطار: 224-226/ خطبة رقم 112، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني 3: 95-97/ خطبة رقم 111، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1: 240- 243.
[6] شرح الألفاظ الغريبة: 617-618.
[7] إبراهيم:7.
[8] البقرة: 158.
[9] الأنبياء: 35.
[10] التوبة: 34.
[11] شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 98-102/ شرح الخطبة رقم 111.
([12]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 120-129.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2418 Seconds