بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد
الدعوى إلى أن يتعلم مزاول التجارة أحكام دينه الفقهية خصوصاً الأحكام التي تتعلق بالمعاملات والقضايا التجارية ليسلم من مشكلات الربا الذي يتورط فيه الكثير انطلاقاً من مبدأ الربح وزيادة رأس المال، مما يترك آثاراً سلبية على المجتمع إذ تتجمع الأموال لدى فئة وتكون عدة فئات عاملة لدى تلك لا يرتفع مستواهم الاقتصادي، الاجتماعي، ... ولا تزيد رؤوس أموالهم بل لهم أجرة العمل وهذه ما يولد:
تضخماً في الثروة في جانب.
وهزالاً بيناً في جانب آخر.
وفراراً من عمل المعروف؛ لأنه لا تشد الإنسان إلى أخيه الإنسان غير الماديات فلا يصنع معروفاً بعد ذلك إلا مقابل منفعة، فلابد من أن يعمل كل حسب قابليته وإمكاناته وما يستطيع ان يؤديه وينتجه ليحصل بالمقابل على الربح المناسب لمادة العمل وليس بالضرورة مزاولة العمل شخصياً بل يمكن من خلال عدة حالات المهم فيها عدم استغلال جهد الآخرين؛ إذ من الآثار السلبية للربا أنه يفضي إلى قسوة القلب وعدم الرقة وعدم الاهتمام بالمشاركة في حل مشكلات الغير، بل الاهتمام البالغ بتصعيد الحالة الاقتصادية التجميعية واللامبالاة بحالة الغير بما يتركه من مشكلات قد تؤدي إلى مالا تحمد عقباه من الجريمة والسرقة والاحتيال و ...و... وكان سبب ذلك كله هو الربا، ولو فرض أن مجتمعا كان الربا فيه حالة سائدة فأنه – حتماً – يعاني من سوء توزيع الثروة وتدهور الحالة الاقتصادية للأفراد بما يجعلهم تحت وطأه الديون والحوالات وما إلى ذلك مما يعني عجزاً كبيراً بحيث يكون المدخول اليومي لا يغطي الحاجات والمتطلبات الحياتية.
ولو حاولنا التعرف على أحوال المجتمع قبل الإسلام وما عرف فيه من الاستغلال والوصولية وعدم الرابطة الخلقية بين الأفراد إلا بالمال والعوائد التجارية والتسلط على الضعيف وحرمانه من فرصة العمل إلا وفق الشروط التي تملي عليه ليبقى عمره كاداً فيعطي لمكتنزي الأموال وجامعيها لينشأ جيل من العاملين البؤساء لتسديد لهو وعبث جيل آخر من الخاملين التعساء المستغلين الجشعين الذين لا تعرف الرحمة إلى قلوبهم طريقاً وقد قاطعوا الرأفة والانصاف وحب الخير وتعميمه فعاشوا في الحياة كما لو لم يكونوا من بني آدم أصلاً:
وقد شدد الله تعالى النهي عن ممارسة الربا فأوعد عليه بالنار وهي أقصى العقوبات وأقساها لأنها حكم طويل الأمد في جهنم خالداً فيها.
وقد نعى على جماعة انهم يأخذون الأرباح أضعافاً مضاعفة وأمرهم بتقوى الله ليفلحوا، مما يؤشر ضمناً عدم تقواهم وعدم فلاحهم فأي نصيب لهم من الخير إذن وقد أبعدهم الله تعالى بسوء أعمالهم عن الرقة والرأفة، وعن الإحساس بالآم الناس والمشاركة في تحقيق آمالهم من خلال الربح المعقول.
ويستفاد أن ممارس الربا وآخذ الزيادة سواء في المعاوضات أو في الديون يبتلى بانه لا يستطيع الانفكاك والتراجع وهذا ما يعني التورط والتوحل وعدم إمكانية التراجع إذ قد يتصور البعض أنه يرمم وضعه المادي ويحسن وضعه الاقتصادي ثم يتوب ويتراجع، إلا أنه يتوهم القدرة على ذلك بل إذا تعود على ذلك فسوف يكون همه الوحيد؛ لأنه كالمجنون لا يرى أمامه إلا وهمه الذي يقوده إلى حيث النهاية المؤلمة ولذا نجد أن المرابين يموتون انتحاراً، أو الديون متراكمة عليهم، أو خسارة أو...أو... مما لم يكونوا أعدوا عدته ولم يكونوا يتوقعون تلك النهاية التي لا يحسدون عليها. وقد قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}([1]). وقد روي([2]) عن الإمام الصادق عليه السلام أنه توعد آكل الربا بالقتل، كما وقد روي أن درهماً واحداً منه أشد من سبعين مرة يزني فيها الرجل بمحارمه وفي بيت الله([3]). وبعض هذا لتحذير يكفي لمن كان مؤمناً بالله تعالى غير متمرد على أوامره ونواهيه، وأما ذاك فلا يكفيه إلا مشاهدة النهاية المؤسفة ليشاهد مصيره وما أدى إليه لأكل الربا.
ومن خلال هذه المعلومات اتضح أن الرباح حرام يجب تجنبه والحذر من التورط فيه وذلك كما بينه عليه السلام بان يتعلم الأحكام الفقهية لئلا يتوحل في الربا فلا يستطيع الخروج منه كما هو حال التجار الذي يمارسون التجارة من دون ما معرفة لأحكامها الشرعية ومن دون مراجعة للخبير في ذلك.
فالدعوة إلى أن لا ينسى المسلم دينه فينساق وراء المغريات المادية والأرباح التجارة وكل ما يلهيه عن دينه من تدفق الأموال وارتفاع الرصيد المالي في البنك واقتناء المزيد والتوسع مدار العمل التجاري، بل على المسلم الانتباه جيداً لئلا يدخل في معاملة ربوية من حيث يعلم أو لا يعلم. والمشكلة أن التبعات تترتب مهما كانت الأسباب والدوافع ولا مخلص إلا التعلم المسبق وإلا لما أمكنه الخروج ولذا عبر عليه السلام (فقد ارتطم بالربا) ليشعرنا بأن الربا إذا اصطدم به الإنسان كان من الصعب عليه التخلص منه وذلك إما للإغراء المادي أو لعدم معرفة الأشخاص المتعلق بهم الحق أو...أو... إذ أن كثيراً من المشكلات التجارية يصعب جداً التخلص من تبعاتها ومتعلقاتها.
فالحل الأمثل هو التفقه لو بمقدار ما يحتاج إليه المكلف بحسب وضعه التجاري ([4]).
الهوامش:
([1]) سورة البقرة، الآية: 275.
([2]) ينظر الوسائل ج12 باب 2 من أبواب الربا، ح1 ص428.
([3]) ينظر الوسائل ج12 باب 1 من أبواب الربا، من ص 422 إلى ص 428.
([4]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ط8، ص 348-353.