عذوبة اللّسان وأثرها في الأُلفة

سلسلة قصار الحكم

عذوبة اللّسان وأثرها في الأُلفة

8K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 15-06-2019

البَاحِث: سَلَام مَكّي خضيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين والغرّ المنتجبين، واللّعن الدَّائم على أعدائهم إلى قيامِ يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإنَّ لعذوبة كلام الفرد وحسنه وحلاوته مساهمة كبيرة في زيادة المحبّة والألفة بين النّاس، وهذا ما نجده واضحًا فيما ورد عن أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) إذ إنَّه قال: (من عذب لسانه كثر إخوانه)[1].
فالعذب معناه اللغوي: الماء العذب الطَّيب الصَّالح لذي لا مُلوحة فيه والخالص من كلِّ ما يشوبه ويعكّره، وبحسب المجاز يطلق على كل لذيذ خالص وخالي من الشائبة، وأمَّا المراد من اللسان في كلامه (عليه السَّلَام) فهو: (الكلام الطَّيِّب)، والمقصود بالإخوان هو: كثرة الأصدقاء والأعوان والمُحبّين[2].
ولا يخفى على المطالع لكلام الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) من أنَّ عذوبة اللسان وطيب الكلام ولطافته وحسنه وجمال خلق الفرد والتَّودّد للنَّاس هي من الواجبات الدِّينيَّة والأخلاقيَّة التي وجب على الفرد المسلم التَّحلِّي بها، فقال تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾[3]، وقال تعالى أيضًا في حقِّ الأبوين: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾[4].
 فيتضح لنا من هذه الآيات القرآنيَّة أنَّ عذوبة اللسان تعدّ من الأسباب الدّاعية إلى الألفة المستلزمة للمحبّة في الله تعالى التي بها تكون السَّعادة الدنيوية، وذلك بقرب النَّاس من الفرد، وفيها تكون السَّعادة الأخروية.
فأمور الحياة وظروفها أصبحت صعبة على الفرد من أن يواجهها وحده من دون أن يساعده إخوانه وأعوانه النّاصحين له، ويمكن القول إنَّ التّقرّب إلى النَّاس عن طريق عذوبة اللّسان والتّودّد إليهم، فالألفة سبب للمحبّة، والمحبّة سبب لاجتماع القلوب والأبدان وميلها لبعضها، وهما سببان لاستنزال الرّحمة بالدعوات وإنزال البركات.
وأيضًا إنَّ صاحب الكلام الطَّيِّب والخلق الحسن الليّن، الذي عوَّد لسانه بالملاطفة الحسنة والتّودَّد، والذي يعامل الآخرين باحترام وتواضع من دون تكبّرٍ، ويتَقرّب إليهم فيما يرضي الله (عزَّ وجل)، فسيكون هذا من أحد الأسباب التي تجعل محبّته واجبة على النَّاس، وإنَّ طباعهم ستميل إليه وتشتاق إلى مصاحبته ومخالطته، فتنبعث إرادتهم على السّعيّ في تودّدهم إليه وطلب أخوَّته ومصادقته[5]، وما يؤكّد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (من لانت كلمته وجبت محبّته)[6]؛ وذلك لأنَّ (التّودد نصف العقل)[7]، وأشرف أنواع التّودد ما كان عن عذوبة الكلام، وبالتَّالي إنّه سيربح رضا الله تعالى ورسوله (صلَّى الله عليه وآله)، وآل بيته الأطهار (عليهم أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، ومن ثمّ تقرّب النَّاس إليه في حبّهم له.
وفي الختام أنِ الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمُرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، واللَّعن الدَّائم على أعدائِهم ومبغضيهم من الأوَّلين والآخرين، ما بقيت وبقي اللَّيل والنَّهار، إلى قيام يوم الدِّين...
الهوامش:
[1] مصادر نهج البلاغة وأسانيده، السَّيِّد عبد الزَّهراء الحُسَينيّ الخطيب:1/244.
[2] ينظر: لسان العرب، ابن منظور: 1/583، وشرح مائة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، ابن ميثم البحراني: 90
[3] البقرة: 83.
[4] الإسراء: 23.
[5] ينظر: شرح مائة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، ابن ميثم البحراني: 90-91.
[6] بحار الأنوار، العلَّامة المجلسي: 68/396.
[7] نهج البلاغة، خطب الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، تحقيق صبحي الصَّالح: 495.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2582 Seconds