من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) في تربية الأبناء

مقالات وبحوث

من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) في تربية الأبناء

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-02-2020

الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على نبيه وآله الطاهرين، خير المصطَفين، حججه على خلقه، وسبل الهداية إلى طريقه، وبعد
جاء الإسلام بمكارم الأخلاق كلها، وأمر بالالتزام بها، وتطبيقها على أرض الواقع، ليبني مجتمعا حضاريا تسوده القيم الأخلاقية، وبهذا يكون المجتمع الإسلامي محصنا من الأمور التي تؤدي إلى الفتن والخراب، لأن الأمم تبنى ببناء الإنسان أولا، وأول ما يلقانا في بناء الإنسان هي وصايا الأب لابنه في ذلك قال تعالى على لسان لقمان: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)([1])، فهذه جملة من الوصايا التي أمر القرآن الكريم الفرد المسلم الالتزام بها، ويلاحظ أنها بناء شخصية الفرد المسلم، ليكون إنسانا فعالا في مجتمعه.
ومن روائع وصايا الآباء لأبنائهم ما يلقانا من كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الحسن (عليه السلام) وهي وصية تشتمل على كثير من مكارم الأخلاق، فأمير المؤمنين (عليه السلام) بوصيته هذه يوجه الشباب المسلم لأن يلتزم بما فيها من قواعد خلقية تجعل من الفرد أنموذجا وقدوة يحتذى به ومن جملة ما جاء فيها قوله (عليه السلام): (يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ)([2]).
ذكر الشارح المعتزلي في بيان هذه الوصية (جاء في الحديث المرفوع: "لا يكمل إيمان عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره لأخيه ما يكره لنفسه". وقال بعض الأسارى لبعض الملوك: افعل معي ما تحب أن يفعل الله معك، فأطلقه، وهذا هو معنى قوله عليه السلام: " ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم")([3])، وفي هذه الوصية جملة من الأمور (أشار عليه أن يجعل نفسه ميزانا بينه وبين غيره، ووجه استعارة لفظ الميزان له أنّه يكون ذا عدل بين نفسه وبين الناس كالميزان. ثمّ شرح وجوه العدل والتسوية الَّتي أمره أن يكون ميزانا باعتبارها فمنها أمور ثبوتيّة، ومنها أمور سلبيّة: فالأوّل: أن يحبّ لغيره ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها...
الثاني: أن لا يظلم كما لا يحبّ أن يظلم فيسلم من رذيلتي الظلم والانظلام.
الثالث: أن يحسن إلى الغير كما يحبّ أن يحسن إليه، والإحسان فضيلة تحت العفّة.
الرابع: أن يستقبح من نفسه ما يستقبح من غيره فينزجر عن جميع مناهي الله وهو من لوازم المروّة...
الخامس: أن يرضى من الناس ما يرضاه لهم من نفسه: أي كلّ ما رضى أن يفعله بهم من خير أو شرّ إن فعله فينبغي أن يرضى بمثله منهم، وفيه تنبيه على أنّه لا يجوز أن يفعل الشرّ لعدم لازمه وهو الرضا منهم به.
السادس: أن لا يقول ما لا يعلم وإن قلّ ما يعلم، وإنّما قال : وإن قلّ ما يعلم لأنّ تصوّر قلَّة العلم قد يكون داعية لبعض الناس إلى أن يقول بغير علم لئلَّا ينسب
إلى الجهل فيَضِلّ ويُضلّ كما قال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدىً ولا كِتابٍ مُنِيرٍ»([4]).
السابع: أن لا يقول لأحد ما لا يحبّ أن يقال له: كالمواجهة بالعيوب والألقاب المكروهة وكلّ كلام مؤذٍ)([5]).
وبطبيعة الحال فأمير المؤمنين (عليه السلام) يعلم أن الإمام الحسن (عليه السلام) غنيٌ عن هذه الوصايا، لكنها من باب التذكير، فهي وصية عامة لكل أبناء الأمة الإسلامية.
نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا ممن يسير على نهج محمد وآله محمد ويجمعنا بهم يوم نلقاه، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
([1]) سورة لقمان: 17- 18.
([2]) نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح: 397.
([3]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 16/ 84.
([4]) سورة الحج: 8.
([5]) شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 5/ 28- 29.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2617 Seconds