من الأمثال العربية في نهج البلاغة: قوله (عليه السلام) ((وَكانَ كَالفَالَجِ اليَاسر))

مقالات وبحوث

من الأمثال العربية في نهج البلاغة: قوله (عليه السلام) ((وَكانَ كَالفَالَجِ اليَاسر))

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 01-06-2021

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم/ الجامعة العربية

((الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
استعمل الإمام علي عليه السلام المثل العربي في مواطن كثيرة قفت عليها في كتاب نهج البلاغة وهي على النحو الآتي:
قوله عليه السلام: ((وَكانَ كَالفَالَجِ اليَاسر))[1]
جاء في الوصية بالقرابة والعشيرة، وروى فقرات من هذه الخطبة اليعقوبي في تاريخه[2] وأورد ابن عبد ربه [3] فقرات منها أيضا تحت عنوان فضل العشيرة.
وقول الإمام علي (عليه السلام) (ويغري بها لئام الناس،  كان كالفالج الياسر الذي ينتظر أول فوزةٍ من قداحه توجب له المغنم)[4] وهنا الإمام علي (عليه السلام): استعمل المثل العربي الذي أصله (من يأت الحكم وحده يفلح)[5] لأنه لا يكون معه من يكذبهُ والفالج بمعنى الظافر، فلج يفلج، كنصر ينصر،  والياسر الذي يقصده في المثل الذي يلعب بقداح الميسر أي المقامر، دليل قول الإمام (عليه السلام) في نفس الخطبة بعد كلامه هذا (ينتظر أول فوزه في قداحه) وفي الكلام تقديم وتأخير وأصله كالياسر الفالج، وفي سيرة علي (عليه السلام) المالية ورد المثل عند الثقفي[6] (كالياسر الفالج).
وجاء في باب كلامه المحتاج إلى تفسير في القصار من كلماته (عليه السلام): كالياسر الفالج... [7] وعلق عليها الرضي: الياسرون هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور[8] والفالج القاهر والغالب.
فكان المثل في الخطبة من باب التقديم والتأخير كما في قوله تعالى: ﴿وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾[9].وحسن الإمام ذلك هاهنا، أن اللفظتين صفتان وإن كانت إحداهما مرتبة على الأخرى.
وقد ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام والجوهري وابن الأثير وابن منظور إلى أن (الياسر) هي لفظة تستعمل في المقامرة ولكنهم اضطربوا في تحديد الدلالة المعنوية لها[10]،  وأوردها   ابن عساكر[11] في تاريخه في ترجمة الإمام علي (عليه السلام) وذكر كلام سفيان بن عيينة[12]عن حديث الإمام علي (عليه السلام) قال: ومن يحسن يتكلم بهذا الكلام إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وهم الإمام في هذا الكلام هو تشبيه المسلم بالفائز المقامر في لعبة، لا ينتظر إلا فوزاً إذا برئ من الدناءات فهو حاصل على إحدى الحسنيين، إما نعيم الآخرة أو نعيم الدارين فجدير به على أن لا يأسف على فوت حظه من الدنيا[13].

الهوامش:
[1]- نهج البلاغة: خطبة 23
[2]- تاريخ اليعقوبي:2/149
[3]- العقد الفريد:2/336
[4]- نهج البلاغة: 1/81 خطبة (23)
[5]- الميداني: مجمع الأمثال 3/330.
[6]- الثقفي، ابراهيم بن محمد(ت283هـ)، الغارات، تحقيق: جلال الدين الحسيني، 1395م.
[7]- نهج البلاغة: 4/685 رقم الكلام (عليه السلام).
[8]- الجزور: بفتح الجيم: الناقة المجزورة، نهج البلاغة ج4/685شرح، محمد عبده.
[9]- فاطر: آية 27.
[10]- ينظر: غريب الحديث: 3/470 ؛ الصحاح: 2/858،  النهاية: 5/562 ؛ لسان العرب: 3/1011.
[11]- تاريخ مدينة دمشق، 24/502
[12]- سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي (مولاهم) أبو محمد الكوفي سكن مكة روى عن الزهري وعمرو ابن دينار، ثقة ترجمته ابن أبي حاتم الرازي: الجرح والتعديل 4/225؛ عمر بن شاهين: تاريخ أسماء الثقاة ص90؛ ابن جنان: الثقاة 6/403؛ الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 9/151؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء 6/268؛ النجاشي: كتاب الرجال ص135.
[13]لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 99 –101.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3049 Seconds