بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
(العمال) مفردها عامل والجمع: عمال وعاملون، ويتعدى الى ثانٍ بالهمزة فيقال: أعملته كذا واستعملته، أي جعلته عاملًا واستعملته: سألته أن يعمل، وعملته على البلد بالتشديد وليته عمله، والعمالة بضم العين: أجرة العامل[1]. والتعميل: توليه العمل، يقال عملت فلانًا على البصرة والعمالة رزق العامل[2] فيما يرى الزبيدي بأن العمل، محركة: المهنة وعَمِلَ كَفَرِحَ وأعمله واستعمله غيره وقيل استعمله طلب إليه العمل واعتمل اضطرب في العمل وقيل عمل لغيره واعتمل عمل بنفسه[3].
صفات العامل:
جاء اهتمام الإمام (عليه السلام) بفئة العمال كونهم عماد الدولة وسند الحاكم في رعيته، وقد حدد الإمام (عليه السلام) الصفات التي ينبغي توافرها في شخص العامل، ومن ثم تقديم التوجيهات الإدارية ليتسنى له القيام بها.
أولًا: كان أول ما أشار إليه (عليه السلام) هو الاختبار:
«ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً...»[4].
ثانيًا: إنَّ لا يوليهم هذا المنصب على أساس محبة بينه وبين العامل فيما يذكر السبب في ذلك لأنهم شعب خليط جرت عليه الخيانة والجور:
«وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ...»[5].
ثالثًا: ثم يؤكد (عليه السلام) اختيار أهل التجربة والحياء كونهم يمتازون بصفات غيرهم عن غيرهم:
«وَتوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالْقَدَمِ فِي الاِْسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاُْمُورِ نَظَراً....»[6].
في حين يشير الإمام (عليه السلام) الى عدم تأخير الوالي أو (الحاكم) العطاء لهم؛ لأن ذلك يشجعهم على العمل من جهة ولم يطمعوا بما لديهم من اموال الرعية من جهة أخرى:
«ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الاَْرْزَاقَ، فَإِنَّ ذلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثلموا أَمَانَتَكَ»[7].
رابعًا:
«ثم تفقد أعمالهم»[8].
وهذا ما أمره به هو التطلع عليهم وإذكاء العيون والإرصاد على حركاتهم، ثم أمر بمؤاخذة من تثبت خيانته واستعادة المال منه، وقد قال بعض الأكاسرة لعامل من عماله: كيف نومك بالليل؟ قال أنامه كله، قال: أحسنت! لو سرقت ما نمت هذا النوم[9].
ذكر ابن عبد البر: إن الإمام (عليه السلام): «أراد أن يستعمل رجلًا دعاه فأوصاه وقال:
«اتَّقِ اللهَ الَّذِي لاَبُدّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ... وَعَلْيك فِيما أَمْرك بِهِ بَما يُؤُتيك مِنْ اللهِ»[10].
وأكد (عليه السلام) نقطة مهمة هي ضرورة أن ينظر ويقسم العمل بين الرئيس والمرؤوسين لكي لا تخرج عن سيطرته لكثرتها:
«وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْر مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَلاَ يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا...» [11].
خامسًا: إنجاز العمل اليومي يقول (عليه السلام):
«وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْم عَمَلَهُ، فإِنَّ لِكُلِّ يَوْم مَا فِيهِ»[12].
لأن الاهتمام بالوقت يساعد في إنجاز المشاريع ويأتي بنتائج مرضية.
ويتابع الإمام بما يجب على العامل فعله «وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ تعالى أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ، وَأَجْزَلَ تِلْكَ الاَْقْسَامِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لله إِذَا صَلَحَتْ فيهَا النِّيَّةُ، وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ»[13].([14]).
الهوامش:
[1] الفيومي، المصباح المنير، مادة (عمل)، ص268.
[2] الجوهري، تاج اللغة، مادة (عمل)، 5/1776.
[3] تاج العروس، مادة (عمل)، 15/521.
[4] ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، رسالة (53)، 17/39.
[5] ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، رسالة (53)، 17/39.
[6] المصدر نفسه، رسالة (53)، 17/37.
[7] المصدر نفسه، رسالة (53)، 17/51.
[8] ابن أبي الحديد، رسالة (53)، 17/51.
[9] المصدر نفسه، 17/52.
[10] بهجة المجالس وأنيس المجالس وشحذ الذاهن والهامس، دار الكُتب العلمية، (بيروت-د.ت)، 3/48.
[11] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، رسالة (53)، 17/52.
[12] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، رسالة (53)، 17/52.
[13] المصدر نفسه، رسالة (53)، 17/29.
([14]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة: ص 235-238.