من ضوابط فهم النص القرآني في نهج البلاغة / من الشواهد التفسيرية في نهج البلاغة قوله عليه السلام: ((كان في الأرض أمانان من عذاب الله...))

مقالات وبحوث

من ضوابط فهم النص القرآني في نهج البلاغة / من الشواهد التفسيرية في نهج البلاغة قوله عليه السلام: ((كان في الأرض أمانان من عذاب الله...))

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-09-2021

بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ((كان في الأرض أمانان من عذاب الله وقد رُفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به، أمّا الأمان الذي رُفع فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمّا الأمان الباقي فالاستغفار، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}([1]).
وهذا الأمر من موارد الجري والانطباق المنبثق عن قاعدة تفسير القرآن بالقرآن التي أسس لها النبي الأكرم وأهل بيه عليهم السلام لذا قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام "ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لا تُطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقده، وبحراً لا يدرك قدره..."([2]).
فقد استعرضت هذه الخطبة أموراً ذات شأن كبير، قال عنها السيد الخوئي: "استعرضت هذه الخطبة كثيراً من الأمور المهمة التي يجب الوقوف عليها، والتدبر في معانيها، فقوله: (لا يخبو توقده) يريد بقوله هذا وبكثير من جمل الخطبة أنَّ القرآن لا تنتهي معانيه، وأنَّه غض جديد إلى يوم القيامة، فقد تنزل الآية في مورد أو في شخص أو في قوم ولكنَّها لا تختص بذلك المورد أو ذلك الشخص أو أولئك القوم فهي عامة المعنى"([3]).
وقد أكدَّ الإمام الباقر عليه السلام هذه القاعدة بقوله:" لو أنَّ الآية إذا أُنزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السموات والأرض ولكل قوم آية يتلونها هم منها من خير أو شر"([4]).
وأفاد السيد الطباطبائي من هذا المنحى، وإنْ لم يصرح بذلك، فإنَّ من أبرز سمات "تفسير الميزان" هو تحديد موارد الجري والانطباق، فعندما يتصفح الباحث كتاب "تفسير الميزان" فإنَّه يجد أنَّ مؤلفه كثيراً ما كان يقول: "وهذا من قبيل الجري والانطباق، أو أنَّه من باب "عد المصاديق"، أو أنَّه من باب "التمثيل أو ذكر المصداق الأكمل" وهكذا...، فقد فصل مورد الجري والانطباق عن المدلول المطابقي للنص القرآني([5]).
ولعلَّ هذا من موارد التأثر بما ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من التفسير بالجري والانطباق، وإنْ لم يصرحوا بذلك فالإمام عليه السلام أصَّل لهذه القاعدة وكانت محور هذا المنهج عنده، فنجده يُطبق معنى الآية من القرآن الكريم على ما يقبل أنْ تنطبق عليه من الموارد وانْ كان خارجاً عن مورد النزول.
فالجري والانطباق كان معلماً بارزاً من معالم التفسير عند الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه الأمور تمثل عينات من التأثر في نهج البلاغة، وسيأتي البحث على عينات أُخرى من التفسير.
كما أفاد من ذلك أيضاً الشيخ ناصر مكارم الشيرازي إذ قال: "فأنَّ مفهوم الآية لا يختص بمعاصري النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل هو قانون عام كلي يشمل جميع الناس، لهذا فقد روي في مصادرنا عن الإمام علي عليه السلام، وفي مصادر أهل السنة عن تلميذ الإمام عليه السلام أبن عباس، أنَّه قال: كان في الأرض أمانان... وقرأ هذه الآية".([6]).([7]).

الهوامش:
([1]) الأنفال، 33.
([2]) نهج البلاغة، 2/177.
([3]) البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي، 28.
([4]) البحار، 89/115
([5]) الشمس الساطعة، محمد الحسين الحسيني الطهراني، دار الأولياء، ط/2، 2008م، 60، وظ: مناهج المتكلمين في فهم النص القرآني، ستار جبر الأعرجي، 90 ـ 94.
([6]) الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، 2/548، وظ: نهج البلاغة سراج الفكر وسحر البيان (بحوث المؤتمر العلمي الأول)، عدي جواد الحجار، 5، 43، 44.
[7]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص115-118.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2603 Seconds