بقلم: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان
((الحمد لله وإن أتى الدّهرُ بالخطب الفادحِ، والحدثِ الجليلِ، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله ليس معه إله غيرهُ وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله))
أما بعد:
في هذه الحكمة تعريف دقيق للدنيا بما يجعل الصورة مكتملة ولا يترك الفرصة لأحد في الاغترار بها، إذ أنها محل يجتازه الإنسان ثم ينصـر ف عنه إلى محل آخر هو الأبقى والأدوم وهي كمحطة يتوقف فيها الإنسان ليتزود ما يحتاجه لمواصلة سفره الذي هو غايته ومقصده مما يحتِّم عليه التعامل بلا مزيد اهتمام بما فيها – مهما كان – لأنه سيفارقه عند موعد المغادرة ولا يمكنه اصطحابه معه.
إذن فاللازم أنْ يتعامل معه بقدر الضـرورة، وأنْ لا يُجهد نفسه بتحمّل المسؤولية، أو مؤنة الحمل والنقل، ولو نظرنا إلى الواقع نظرة فاحصة لوجدنا أنَّ مَنْ لم يتزود للآخرة وأخلد للدنيا قد أثقل نفسه بما عَمِلَةُ من الأعمال التي يؤاخذ عليها فيطول بسبب ذلك وقوفه عند الحساب، وهو ما يتخوف منه كل عاقل لأن المحاسبة دقيقة ولا تُعرف نتائجها إلاّ بعد أن يستقر العبد حيثما يأمر به الله تعالى.
ثم بيّن عليها السلام أن تصـرفات الإنسان – في الدنيا – محسوبة عليه، وهو – ذاته – الذي يعيّن مصيره في الآخرة من خلال اختياراته الدنيوية، فإن أنضم الى الدنيا وركن إليها واغترّ بها فهو الذي باع نفسه العزيزة للدنيا الدنية فصار سبباً لهلاك نفسه في الآخرة، لأن الدنيا تزين له أفعالاً وتروكاً لا تنتظم كلها في قائمة المسموح به شرعياً وعندئذ يقع المحذور، وتجب العقوبة فلا يخلّصه أحد أنه قدّم دليل إدانته بنفسه من خلال ما قام به من أعمال غير محسوبة دينياً.
وإن كان قد اختار تخليص نفسه من شرك الأهواء المضلة وتفادى الوقوع في المنزلق والتزم جانب التقوى وحفظ نفسه من التعدي والتجاوز على الاحكام الشـرعية فهو قد حرر نفسه من ربقة النار [1].
الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أخلاق الإمام علي عليه السلام: محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، ج1، ص 170 - 171.