بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم – الجامعة العربية.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
استعمل الإمام علي (عليه السلام) المثل العربي في مواطن كثيرة وقفت عليها في كتاب (نهج البلاغة)، ومنها استخدامه للمثل الشعري ويمثل ما قالته العرب وذهب مثلاً أو مجرى المثل سواء كان بيتاً كاملا أو شطر بيت.
وقد تمثل الإمام علي (عليه السلام) بالشعر كما ثبته الرضي في كتاب نهج البلاغة، وكان ما ذكره إحد عشر نصاً بين بيت كامل وشطر بيت، وهذا يبين اهتمام الإمام علي (عليه السلام) بالشعر العربي دليل استعماله له ومعرفته التامة بنوعيته وأصالته لما له من قوة بيان، ذلك من خلال ما سئل به من اشعر الشعراء؟
فقال (عليه السلام)[1].
إن القوم لم يجروا في حلبة[2]، تعرف الغاية عند قصبتها فإن كان لا بد فالملك الضليل، يريد (امرأ القيس).
شتان ما يومي على كورها ويوم حسان أخي جابر[3]
والبيت من قصيدة يهجو بها علقمة بن علاثة، ويمدح عامر بن الطفيل في المنافرة[4].
والضمير في (كورها) في البيت المتمثل به يعود على الناقة في بيت متقدم عليه هو:
وقد أسلى الهم إذ يعتري بجســرة دوسرة عاقر[5]
وحيان: اسم رجل من بني حنيفة، كان سيداً مطاعاً، وذا نعمة وافرة، وكان الأعشى ينادمه، وجابر أخو حيان، أصغر منه، وذكره الشاعر للقافية.
ومعنى البيت، فرق كبير ما بين سفري على ناقتي وبين يوم حيان في نعمته الوافرة[6].
قال السيد المرتضى[7]: أراد بذلك أن القوم لما فازوا بمآ ربهم وظفروا بمطالبهم وحصل ما كان منتهى أمانيهم وهو (عليه السلام) في ذلك كله محق في حقه، مكد في نصيبه كان بين مالهم وحاله بون بعيد واختلاف شديد واستعار لفظ اليومين وكنى بهما عن حالهم وحاله، وشبه حالهم بيوم حيان.
وقيل أنه كنى بهما عن اليوم الذي كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واليوم الذي فارق رسول الله عنهم وهو معهم[8].
ووجه الشبه: ما اشتمل عليه يوم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويوم حيان على المسار والرفاهية وحصول المطالب وما اشتمل عليه يوم المفارقة والشبه يوم مفارقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيومه على كورها.
وجاء في المثل(أنعم من حيان)[9] وأضاف عليه الزمخشري[10] (أنعم من حيان أخي جابر).
وأشار إلى البيت الشعري الآنف الذكر، ثم اردفه بقوله:
وإنما أضافه إلى أخيه لإضطرار القافية وحيان كان جليلاً ولم يكن جابر مثله فغضب وقال: كأني لا أعرف إلا بأخي، واستشن ما بينهما بسبب ذلك.
وبيان معنى البيت عند الميداني[11] واضح بقوله: (أنا في السير والشقاء وحيان في الدعة والرخاء).
وقد تمثل به الإمام علي (عليه السلام) في خطبته الشقشقية المعروفة وكأنه هو قائله تماشياً مع كلامه السابق في الخطاب ولم ينسبه إلى قائله، يشير به إلى أن هناك فرقاً بين يومه في الخلافة عندما انتفض عليه في الأمر من خروج عائشة والزبير بن العوام وطلحة في معركة الجمل واستئثار معاوية في الشام وخروج الخوارج وما إلى ذلك ويوم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حيث وليها على قاعدة ممهدة[12].
الهوامش:
[1]- نهج البلاغة: ضبط صحي الصالح، ص556.
[2]- الحلبة: القطعة من الحبل تجتمع للسباق، عبر بها عن الطريقة الواحدة، والقصبة: ما ينصبه طلبة السباق حتى إذا سبق سابق اخذه ليعلم بلا نزاع، نهج البلاغة، صبحي الصالح، ص729.
[3]- ابن أبي الحديد 1/ خطبة (3)، ديوان الأعشى (الكبير)، أعشى قيس، أبو بصير: ميمون بن قيس بن جندب، ص92 - 96، بيروت.
[4]- ابن قتيبة: أدب الكاتب، تحقيق، علي فاعور، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، ص263.
[5]- ديوان الأعشى: ص920، والجسرة: العظيمة من الإبل، والدوسرة: الناقة الضخمة.
[6]- ابن قتيبة: أدب الكاتب، ص263.
[7]- رسائل الشريف المرتضى، 2/110.
[8]- الآمدي: من بلاغة الإمام علي، ص99.
[9]- الميداني: مجمع الأمثال، 3/412.
[10]- المستقصى من أمثال العرب، 1/393.
[11]- الميداني: مجمع الأمثال، 3/412.
[12]- لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 133 – 136.