بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
الضِّلِّيل
سُئِل الإمام عليّ (عليه السلام) عن أشعر الشَّعراء فَقالَ: ((إِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فالمَلِك الضِّلِّيل)) [1] ويَقصد امْرء القَيسِ، كَانَ يُلَقَّب بِهِ؛ لأنه كان ((أشعر شعراء الجاهلية وأسبقهم إلى ابتكار المعاني)) [2] وإلى أشياء ابتدعها استحسنتها العرب، فاتبعه فيها الشعراء، كما صرحت أكثر المؤلفات[3].
المفردة الصرفية الغريبة التي وردت في قوله (عليه السلام) (الضِّلِّيل) من أصل (ضلَّ). قال الأزهري ((ضلَّ الشيء يضلُّ ضلالا، أي ضاع وهلَك...، والضَلالُ والضَلالَةَ: ضدُّ الرشاد. وقد ضَلَلْتُ أضِلُّ...، فهذه لغة نجد، وهي الفصيحة))[4]. وبمعناه كل (ضلالة) في مقابل الاهتداء.
قوله (عليه السلام) (الملك الضِّلِّيل)، أي: الكثير الضَّلال لا يقلع عنه؛ وهو الكثير التَتَبُّعِ للضَلالِ[5].. وقالوا: الضِّلِّيل، بِوَزْنِ القِنْدِيل وهو المُبالِغ فِي الضَّلال. ولَا يُوَفَّق لِخَيْرٍ، ويقال: صَاحِبُ غَواياتٍ وبَطالاتٍ [6].
ومنهم من قال: ((الضِّلِّيلُ، كَسِكِّيتٍ: الْكَثِيرُ الضَّلالِ فِي الدِّينِ))[7] وَهُوَ مَجازٌ، فاستعار لفظ الضليل لعلاقة المشابهة وقد أدخل الإمام سعة على اللسان العربي باستعماله الصيغة الصرفية في ظلها الجديد. وبهذا يتضح أن للصيغ الصرفية دلالات لم يغفل عنها علماء العربية، والدلالات الصرفية التي جاء بها الإمام (عليه السلام) لها اثر كبير في إثراء اللغة وغناها، ومنها: الصيغة الصرفية(الضِّلِّيل) تدل على كثرة وقوعه في الضلال والمبالغة فيه، وذلك؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة في المعنى في أغلب الأحيان فأضفت على الضلال معانٍ عدة وهي: الكثير الضَّلال الضَّال المُضِّل لا يقلع عنه[8].)([9]).
الهوامش:
[1] النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/98، المحكم(ضلل)8/15، لسان العرب(ضلل)11/394، وينظر: نهج البلاغة بشرح ابن ابي الحديد: 20/153.
[2] المنصف: 394.
[3] ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: (ضلل)5/.1748، المحكم والمحيط الأعظم: (ضلل)8/155، لسان العرب: (ضلل)11/394، القاموس المحيط: (ض ل ل)1/569، معجم ديوان الأدب: 3/57، ولُقِّب بذي القروح وبالملك الضليل، وامرئ القيس، وطغى هذا اللقب على اسمه وعُرف به. ديوان امرئ القيس: 9.
[4] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: (ضلل)5/.1748.
[5] ينظر: معجم متن اللغة: 3/561. اضافة الى المصادر.
[6] ينظر: معجم ديوان الأدب: 3/57.
[7] ينظر: تاج العروس(ضلل)29/349.
[8] ينظر: علم الدلالة دراسة نظرية تطبيقية: د. حيدر فريد عوض: 40-41.
([9]) مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 157-158.