البَاحِث: سَلَام مَكّي خضَيّر الطَّائِيّ
الحمدُ لله رب العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمُرسلين، أبي القَاسِم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الذين أذهب الله تعالى عنهم الرّجس وطهَّرهم تطهيرًا...
أمَّا بعد...
إنَّ الله تعالى عندما خلق أبينا آدم (عليه السَّلَام) وبعد ذلك اسكنه الأرض ليكون خليفة فيها، وجعل له قانونًا يسير عليه في حياته، وبعد النَّبي آدم (عليه السَّلَام) جيء بالأنبياء والأولياء (عليهم السَّلَام) من قبله سبحانه، واحدًا تلو الآخر، ليكون كلا منهم خليفة للنَّبي الذي سبقه، إلى أن وصل الدَّور للنَّبيّ الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، فلمَّا أتى وبلَّغ رسالته السَّماويَّة وكاد ان يرحل للرّفيق الأعلى، أمره الباري (عزَّ ذكره) بأن يولِّي على أُمَّته من يخلفه فيهم، ليكون خليفة عليهم بعده (صلَّى الله عليه وآله)، فاستلم الإمام عَلِي (عليه السَّلَام) زمام أمور الأمَّة الإسلاميَّة بعد الرَّسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) في سنة (11) للهجرة النَّبويَّة المباركة، فجاء الأمر الإلهي بأن يتولَّى أمور الأمَّة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) باختيار من الله سبحانه، وهناك العديد من الأدلة القرآنيَّة للدلالة على اختصاص الخلافة بأمير المؤمنين الإمام عليَّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) بعد ابن عمّه النَّبيّ المُصْطَفَى (صلَّى الله عليه وآله)، فمنها:
فالآية الأولى: هي أنّه لما نزلت آية ﴿وانذر عشيرتك الأقربين﴾[1]، التي جاءت حافلة بها سورة الشعراء من محكم كتاب الله تعالى، فعلى أثر ذلك، أمر النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) الإمام عَلِيَّ (عليه السَّلَام) أن يجمع بني عبد المطلب، ويطبخ لهم فخذ شاة، ويخبز صاعًا من دقيق، ويأتي بعس من لبن، وهو القدح الكبير، فأكلوا حتى شبعوا، ولم يبن النقص في الطَّعام إلا أثر أصابعهم، وشربوا اللبن حتَّى رووا، فلمَّا أراد أن يكلّمهم، بدره أبو لهب، فقال: (لشد ما سحركم صاحبكم فتفرقوا، ولم يكلمهم، ثم جمعهم في اليوم الثاني، وصنع لهم من الطَّعام والشراب كما صنع في اليوم الأوَّل، ثم قال (صلَّى الله عليه وآله): (يا بني عبد المطّلب إنّي قد جئتكم بخير الدّنيا والآخرة فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ...)، فسكتوا جميعًا، فقال عَلِيّ: فقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا)، فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع)[2].
فهذا الحديث من أوضح النّصوص وأدلها على أحقية خلافة أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) بعد الرَّسُول الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، إذ لا معنى لجعله واجب الطّاعة على الأكابر من عشيرته، وقومه، وبني عمومته إلا لأنّه يريد له (عليه السَّلَام) الخلافة العامة لا سيما وصريح قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (يكون خليفتي فيكم) من أظهر النصوص عليها.
ومن الأدّلة الأخرى الدَّالة على إمامة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، ممَّا جاء في كتابه العزيز من سورة الرَّعد: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾[3]، فجاء عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يده على صدره وقال: (انا المنذر، وأومى بيده إلى بيده إلى منكب عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) فقال: أنت الهادي يا عَلِيّ، بك يهتدي المهتدون بعدي)[4]، فهذه دلالتها واضحة لمن تمعَّن في هذه النصوص، على خلافة وإمامة أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) بعد نبيّنا الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله).
وأيضًا من الآيات ذات الدّلالة الواضحة والنَّص على خلافة أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) خليفة بعد النّبي الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) ممَّا جاء من قوله تعالى في سورة هود (عليه السَّلَام): ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾[5]، فلا يختلف اثنان على دلالة هذه الآية وتأكيدها على خلافة وإمامة وولاية أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) على الأُمَّة بأمر الله (عزَّ وجلّ) ليخلف ابن عمّه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
وكذلك من الأدلَّة ذات العلاقة في موضوعنا هذا، هو ممَّا جاء في سورة المائدة، من قوله تعالى في كتابه العزيز: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[6].
وليس هذه الادلّة فقط من الآيات القرآنية، بل هناك من طالع القرآن فسيجد هناك العديد من الآيات التي تدل على الشأن الذي يدور موضوعنا فيه، ولكن نكتفي بهذا القدر من الادلَّة القرآنيَّة على خلافة الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) بعد الرَّسول الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله)، ونسأل الله تعالى أن يتقبَّل هذا منَّا بأحسن قَبول إنَّه سميع مُجيب...
الهوامش:
[1] الشعراء: 214.
[2] وقفة مع الدكتور البوطي، هشام آل قطيط: 104.
[3] الرَّعد: 7.
[4] مناقب ابن شهر آشوب: 2/280-281.
[5] هود: 17.
[6] المائدة: 55.