بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
(آخر الدواء الكي)[1]
من كلام له (عليه السلام) بعدما بويع بالخلافة وقد قال قوم من أصحابه (لو عاقبت قوماً ممن أجلب على عثمان؟ فقال (عليه السلام): يا اخوتا؟ إني لست أجهل ما تعلمون.... ولا تفعلوا فعلة تضعضع قوة، وتسقط منّة، وتورث وهنا وذلة وسأمسك الأمر ما استمسك وإذا لم أجد بداً فآخر الدواء الكي.[2]
قيل في المثل آخر الطب الكي[3] لأنه إنما يقدم عليه بعد أن لا ينفع معه كل دواء وأبى قبول كل دواء حسم بالكي آخر الأمر، وقائله لقمان بن عاد[4]: وذلك بحادثة امرأة تغازل رجلاً زعمته أخاها ولو كان أخاها لجلي عن نفسه وكفاها الكلام، والتقى لقمان زوجها فعرفه من خلال أراجيز يرتجزها وعلامات وجدها لقمان في بيت الرجل فعرف أنه زوج المرأة فأخبره الخبر فأجابه الرجل، أفلا أعالجها بكية توردها المنية؟ فقال لقمان: آخر الدواء الكي[5].
والمثل يضرب في أعمال المخاشنة مع العدو إذا لم يُجدِ معه اللين والمداراة وفي القصة اعتبار بعد التأكد، بما يريد الإمام من ضرب المثل للناس لكي يستقيموا فيصيبوا رشدهم وحظهم، وإن اعوجوا فلابد من إقامة اعوجاجهم مهما كلف الأمر.
والكي في موقع المثل هو القتل[6] ومن المعروف تاريخياً في أحداث الفتنة الكبرى التي أدت إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان وما تبعها من الأحداث الجسام التي أدت إلى حروب دامية بين المسلمين والآراء التي قيلت في ذلك حول قتله، مما حدا بالإمام (عليه السلام) أن يتخذ هذا النوع من الكلام مع أصحابه كي يفهموا مقاصده التي يبني من ورائها إمساك الأمر ما استمسك وإن لم يجد به بداً فآخر الدواء القتل[7].
الهوامش:
[1]- الزمخشري: المستقصى من امثال العرب، 1/3.
[2]- نهج البلاغة، كلام رقم (166)
[3]- الزمخشري: المستقصى 1/4
[4]- لقمان بن عاد: هو لقمان بن عاد بن ملطاط من بني وائل من حمير معمر جاهلي قديم من ملوك حمير، زعم اصحاب الأساطير أنه عاش عمر سبعة نسور مبالغة في طول عمره، وهو غير لقمان الحكيم الذي ذكره القرآن الكريم.
ترجمته: ابن العربي: أحكام القرآن 3/538؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان 2/65؛ الزركلي: الأعلام 5/343
[5]- ينظر: الزمخشري: المستقصى 1/ 4 - 5 القصة كاملة
[6]- نهج البلاغة: ضبط صبحي الصالح، مفردة (2165)
[7]لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 123 –124.