بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾([1])
أنَّ الدِين في الأصل بمعنى الجزاء والثواب، ويطلق على الطاعة والإنقياد للأوامر، والدين في الإصطلاح: مجموعة العقائد والقواعد والآداب التي يستطيع الإنسان بها بلوغ السعادة في الدنيا، وأن يخطو في المسير الصحيح من حيث التربية والأخلاق الفردية والجماعية.
وأما الإسلام: يعني التسليم، وهو هنا التسليم لله تعالى، وعلى ذلك، فإنّ معنى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإسلام﴾: إنّ الدين الحقيقي عند الله هو التسليم لأوامره وللحقيقة.
وفي الواقع لم تكن روح الدين في كلّ الأزمنة سوى الخضوع والتسليم للحقيقة، وإنّما أطلق اسم الإسلام على الدِين الذي جاء به الرسول الأكرم عليه السلام لأنّه أرفع الأديان.([2])
أفاد هذا المعنى الشيخ مكارم الشيرازي في تفسيره للآية أعلاه من بيان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ووصفه بالمعنى العميق، إذ قال: وقد أوضح الإمام علي (عليه السلام) هذا المعنى في بيان عميق فقال: ((لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي: الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل([3]).
فالإمام في كلمته هذه يضع للاسم ستّ مراحل، أولاها التسليم أمام الحقيقة، ثمّ يقول إنّ التسليم بغير يقين غير ممكن (إذ أنّ التسليم بغير يقين يعني الإستسلام الأعمى، لا التسليم الواعي) ثمّ يقول إنّ اليقين هو التصديق (أي أنّ العلم وحده لايكفي، بل لابدّ من الاعتقاد والتصديق القلبيّين) والتصديق هو الإقرار (أي لا يكفي أن يكون الإيمان قلبيّاً فحسب، بل يجب إظهاره بشجاعة وقوّة)، ثمّ يقول إنّ الإقرار هو الأداء (أي أنّ الإقرار لا يكون بمجرّد القول باللسان، بل هو إلتزام بالمسؤولية) وأخيراً يقول إنّ الأداء هو العمل (أي إطاعة أوامر الله وتنفيذ البرامج الإلهية) لأنّ الالتزام وتحمّل المسؤولية لا يعنيان سوى العمل، أمّا الذين يسخّرون كلّ قواهم وطاقاتهم في عقد الجلسات تلو الجلسات وتقديم الإقتراحات وما إلى ذلك من الأُمور التي لا تتطلّب سوى الكلام فلا هم تحمّلوا إلتزاماً ولا مسؤولية، ولا هم وعوا روح الإسلام حقّاً هذا أجلى تفسير للإسلام من جميع جوانبه))([4]).([5]).
الهوامش:
(1) آل عمران، 19.
(2) الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، 2/ 429.
(3) نهج البلاغة، 4/ 29.
(4) الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، 2/ 429.
(5) لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص121-123.