بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
فإن معنى القاسطون في اللغة هم الجائرون الباغون، وقد جاء في القرآن الكريم
﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾[1]، «لذلك قيل: قسط الرجل: إذا جار واقسط: إذا عدل»[2]. وفي التفريق بين معنى المفردتين يقول ابن منظور «أقسط يقسط، فهو مقسط إذا عدل، وقسط يقسط، فهو قاسط إذا جار، فكأن الهمزة في أقسط للسلب كما يقال شكا إليه واشكاه»[3]. ومفردة قاسط التي تعني الجور كمصطلح سياسي، قد اطلقت على الأمويين ومن شايعهم لخروجهم على علي عليه السلام ومحاربتهم له في صفين، فقد أثر عنه قوله «عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين»[4]، وذلك يكشف لنا عن موقف علي عليه السلام المتشدد تجاه الأمويين عامة وتجاه معاوية بن أبي سفيان على وجه الخصوص لم يكن بدافع العصبية أو حب التسلط، وإنما هو موقف تابع من اعتقاد ديني بحت، وان حاولت السياسة الباسه ثوب العصبية، ذلك الوتر الذي حاول الأمويون العزف عليه للوصول إلى ماربهم فكان البدء مطالبتهم الخليفة بالاقتصاص من قتلة عثمان الأموي، فجانب العصبية قد يكون له قيمته العالية في لقضية إذا ما نظرنا إليه من الزاوية الأموية، فقد حتموا بذلك كشعار من أجل معارضتهم لخلافة علي عليه السلام حين وضعوه كشرط لاقرارهم بخلافته وذلك منذ الأيام الأولى التي انعقد فيها الأمر له، فقد تخلف عن البيعة بعض الأمويين، فبعث إليهم ليكلمهم في ذلك، فتكلم الوليد بن عتبة فقال «يا أبا الحسن، إنك وترتنا بأجمعنا، أما أنا فقتلت أبي صبراً يوم مكة، وخذلت أخي عثمان فلم تنصره، وأما سعيد بن العاص فقتلتَ أباه يوم بدر... وأما مروان فسحقت أباه عند عثمان لما رده إلى المدينة وضمنه إليه، ونحن نبايعك على ان تقتل من قتل صاحبنا... وعلى انك تسوغنا ما يكون منا وعلى انا ان خفناك على أنفسنا لحقنا بالشام عند ابن عمنا معاوية»[5] فالشروط التي وضعها أولئك الرهط من الأمويين لم تكن في مجملها ذات طابع اسلامي، وانما هي مبنية على العصبية الجاهلية والمادة، وبعيدة عن مفهوم السياسة الدينية[6]، لذلك فهي تتعارض وفكر علي عليه السلام وهذا ما ادى إلى رفضها جملة وتفصيلاً ويكمن ذلك في رده عليهم بقوله «اما ما ذكرتم اني وترتكم فإن الحق وتركم، واما وضعي عنكم ما يكون منكم فليس لي ان اضع عنكم حقا لله تعالى قد وجب عليكم، واما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني اليوم قتلهم لقتلتهم امس، واما خوفكم اياي فإني اؤمنكم مما تخافون»[7]. فالجدل الذي دار بين علي (عليه السلام) وبين أولئك الأمويين يكشف تباين المواقف الفكرية عند كلا الطرفين، إذ بينما ينطلق فكر علي (عليه السلام) من قاعدة دينية اساسها الحق والمساواة، وينطلق فكر أولئك من قاعدة اساسها المصلحة الذاتية المتكونة من عناصر مادية واخرى عصبية[8].
الهوامش:
[1] الجن /15.
[2] الراغب الاصفهاني ـ المفردات في غريب القرآن 608.
[3] لسان العرب المحيط 3/86.
[4] ابن الأثير أسد الغابة4/115، لسان العرب المحيط 3/86، ويمكن مراجعة تخرجيات أخرى للحديث في: فضائل الخمسة من الصحاح الستة لمرتضى الحسيني الفيزو أبادي 2/396 وما بعدها.
[5] ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح 2/441.
[6] راجع ص 195 وما عبدها من هذا البحث فقد فصلنا القول في واجب الحاكم في فكر علي عليه السلام
[7] ابن أعثم الكوفي، السابق 2/441.
[8] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 257- 259.