بقلم: الدكتور علي الفتال
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
من خلال قراءتي ((نهج البلاغة)) بتأملٍ وتأنٍ ورويَّة، وجدت في محتواه خصائص هي بمجموعها تشكل قوانين الحياة بمفاصلها الحيوية، وأنا بتحديدي تلك الخصائص لا يعني ذلك أنني توفرت على خصائص ((النهج)) كلها بل هي بعض ما تراءى لي بعد قراءتي المتأنية تلك. لذلك أطلقتُ عليها ((من خصائص))، والتبعيض هذا الذي دلّت عليه الأداة (مِن) يعني أن ثمة خصائص أخرى يضمها كلام علي عليه السلام فاكتفيت بالذي وجدت.
وإليك قارئي العزيز هذه الخصائص:
الاستشهاد بالقرآن
استشهد الإمام علي عليه السلام بآيات من القرآن الكريم في مواضع عدة من (نهج البلاغة)؛ أما لتدعيم وتأييد رأيٍ له طرحه أو لتبصير الإنسان بأمور حياته، أو لتذكيره بما سينتظره يوم لا ينفع (فيه مالٌ ولا بنون)، أوللمعاتبة والنقد والتأنيب والتوبيخ على تقاعس في قتال. وهكذا نراه عليه السلام لا يغفل القرآن الكريم في كلماته كلها، كما في منهجه في الحياة لأنه عليه تربى ومنه استقى معارفه،.. وكعادتنا سنستشهد بعينات من استشهاداته القرآنية عليه السلام:
قال عليه السلام في صفة خلق آدم عليه السلام:
((.. واستأدى (طالب) الله - سبحانه - الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته إليهم، في الإذعان بالسجود له، والخنوع لتكرمته، فقال سبحانه:
{... اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة/34)}.
اعترته الحمية وغلبت عليه الشقوة وتعزز بخلقة النار، واستوهن خلق الصلصال، فأعطاه الله النظرة استحقاقاً للسخطة، واستتماماً للبلية، وإنجازاً للعدة، فقال:
{فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (الأعراف/13 – 14)}.
وقال عليه السلام في ذكر الحج:
((جعله سبحانه وتعالى للإسلام عَلَماً، وللعائذين حَرَماً، فرض حقه، وأوجب حجه، وكتب عليكم وفادته (زيارته)، فقال سبحانه:
{... وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (آل عمران/97)}.
وقال عليه السلام يصف يوم مبايعته:
((فما راعني إلا والناس كعرف الضبع (للكثرة)، إليّ ينثالون (يتزاحمون) عليّ من كل جانب، حتى لقد وطيء الحسنان، وشُق عطفاي (جانباي) مجتمعين حولي كربيضة (الرابضة) الغنم، فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت (خرجت) أخرى، وقسط آخرون (جاروا) كأنهم لم يسمعوا الله تعالى يقول:
{تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (القصص/83)}.
بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجدها)). وقال عليه السلام في القرآن الكريم:
((أم أنزل الله - سبحانه - ديناً ناقصاً فاستعان بهم على تمامه! أم كانوا شركاء له، فلهم أن يقولوا، وعليه أن يرضى، أم أنزل الله - سبحانه - ديناً تاماً فقصّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم عن تبليغه وأدائه، والله يقول:
{... مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ... (الأنعام/38)}.
وفيه تبيان لكل شيء، وذكر أن الكتاب يصدّق بعضه بعضاً، وإنه لا اختلاف فيه فقال - سبحانه :
{... وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا... (النساء/82)}.
وأن القرآن ظاهره أنيق (حسن) وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تنكشف الظلمات إلا به)).
وقال عليه السلام ليلة الهرير في صفين:
((وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرواق (الفسطاط) المطنّب (المشدود بحبل) فاضربوا ثبجه (وسطه) فإن الشيطان كامن في كسحِهِ (شقه)، وقد قدّم للوثب يداً، وآخر للنكوص رجلاً، فصمد صمداً (قصد) حتى ينجلي لكم عمود الحق:
{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (محمد/35)}.
نكتفي بتلك الخاصية من خصائص (نهج البلاغة)، على أننا سنفرد لها كتاباً خاصاً، نحن بصدده، لأننا أردنا في هذا الجزء أن نشير إليها فقط، وهي كثيرة في (النهج) تحتاج إلى شمولية في التناول وعمق في التحليل هي عدّة الكتاب الذي عزمنا على إصداره إن شاء الله، نسأله تعالى أن يمدنا بعونه لنتوفر على دراسة الإمام علي عليه السلام)[1].
الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أضواء على نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية، د. علي الفتال، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ج1، ص 350-352.