بقلم: السيد نبيل الحسني.
مما قال الآلوسي في تفسير قول الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وهو ينتصر لخصم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله مستعرضا لأقوال الشيعة في المسألة، فمنها قوله:
(وقالوا [أي: الشيعة]: أن الخبر لم يروه غيره[1] ؛ وبتسليم أنه رواه غيره أيضاً فهو غير متواتر بل آحاد، ولا يجوز تخصيص الكتاب بخبر الآحاد بدليل أن عمر بن الخطاب رد خبر فاطمة بنت قيس أنه لم يجعل لها سكنى ولا نفقة لما كان مخصصاً لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق/6]، فقال: كيف نترك كتاب ربنا وسنة نبينا (صلى الله عليه [وآله] وسلم) بقول امرأة.
فلو جاز تخصيص الكتاب بخبر الآحاد لخصص به ولم يرده ولم يجعل كونه خبر امرأة مع مخالفته للكتاب مانعاً من قبوله، وأيضاً العام -وهو الكتاب- قطعي، والخاص -وهو خبر الآحاد- ظني فيلزم ترك القطعي بالظني[2] .
والجواب: أنّ هذا الخبر قد رواه أيضاً : حذيفة بن اليمان ، والزبير بن العوام ، وأبو الدرداء ، وأبو هريرة ، والعباس ، وعلي[عليه السلام] ، وعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وقد أخرج البخاري عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب قال بمحضر من الصحابة فيهم علي [عليه السلام] والعباس ، وعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص:
(أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: «لا نورِّث ما تركناه صدقة»؟
قالوا: اللهم نعم، ثم أقبل على عليّ [عليه السلام] والعباس، فقال: أنشدكما بالله تعالى هل تعلمان أن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قد قال ذلك؟ قالا: اللهم نعم)، فالقول: بأن الخبر لم يروه إلا أبو بكر لا يلتفت إليه)[3].
أقول:
إنّ الآلوسي لم يحيل القارئ إلى مصدر واحد يثبت هذا القول للشيعة ، ومن القائل منهم به ، وهذا مخالف للأمانة العلمية .
أما جوابه في الرد الشيعة بقولهم أن خبر (لا نورث) من الآحاد ، فيفتقر إلى الإطلاع وذلك أن أهل السُنّة والجماعة هم قالوا بذلك أيضا ، بل سبقوا الشيعة بالحكم على هذا الخبر ، وحسبك منه ما أخرجه عمرو بن الضحاك الشيباني (المتوفى سنة 287هـ) في كتابه الآحاد والمثاني[4] ، فلماذا سكت عنه الآلوسي.
3 ـ إن الاستدلال بحديث عمر بن الخطاب الذي أخرجه البخاري عن مالك بن أوس بن الحدثان لا يصلح الاحتجاج به، وسيمر بيان عِلله وسَقمه في الفصل القادم إن شاء الله تعالى، وبفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لقد منَّ الله علينا بتخصيص دراسة مستقلة لهذا الحديث ، والموسومة بـ (ما كتمه البخاري في ظلامة فاطمة عليها السلام وأظهره مسلم النيسابوري حديث تخاصم العباس والإمام علي عليه السلام أنموذجاً) .
بل، أن هذا الحديث هو من أتم البراهين على ظلامة بضعة النبوة وصفوة الرسالة (عليها السلام)، ولو أدرك البخاري أو غيره من أعلام أهل السُنَّة والجماعة ما تضمنه الحديث من علل وكشف للظلامة لما أخرجوه، ولكن {وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} ويظهر ظلامة بضعة النبوة (عليها السلام).
4- وأمّا قوله: أن حذيفة وغيره من الصحابة اللذين رووا هذا الحديث، أي: (لا نورِّث) فقد وقع منهما بعد وفاة أبي بكر ، ولم يروه أحد من الصحابة في حياته وذلك لمقتضيات السلطة وما فرضته سنة الشيخين من أنساق جديدة في الفكر الإسلامي .
ومِنْ ثمَّ : لا يمكن دفع التوارث بين الأنبياء عليهم السلام في الأموال بعد إقرار القرآن والسُنّة واللغة بذلك ، إلا أن الحقيقة المرّة والتي لا مفرَّ منها ، هي : تضافر الأمة على هضم بضعة النبوة (عليها السلام) وقد تجلّت في دفاعهم عن خصوم فاطمة عليها السلام والانتصار لهم ، وهو ما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال:
« وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ [عليَّ] وعَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»[5] «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين»[6] . [7]
الهوامش:
[1] أي أن خبر (لا نورث) لم يروه غيره .
[2] انتهى قول الشيعة .
[3] تفسير الآلوسي: ج4 ص 218.
[4] الآحاد والمثاني ، الضحاك : ج1 ص90
[5] نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة رقم : 202
[6] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[7] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة ، السيد نبيل الحسني : 197 / 199 ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الوارث كربلاء - 2021م