من أخبار الإمام علي عليه السلام في كتاب المصنف لابن أبي شيبة الكوفي منزلة الإمام علي (عليه السلام) من الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) أولاً: لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق

مقالات وبحوث

من أخبار الإمام علي عليه السلام في كتاب المصنف لابن أبي شيبة الكوفي منزلة الإمام علي (عليه السلام) من الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) أولاً: لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 21-06-2023

بقلم: الدكتور محمد سعدون عبيد العكيلي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

أما بعد:
ذكر الكوفي[1] رواية بسنده يبين فضيلة من فضائل الإمام علي عليه السلام التي عهدها إليه الرسول محمد صلى الله عليه وآله: (...عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليَّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق).
 ويتفق القاضي النعمان[2] بذكر الرواية ذاكراً في سنده ابن أبي شيبة فيوردها كالتالي: (عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن الأعمش عن علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليَّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق). ويورد الرواية نفسها ولكن بسند لم يذكر فيه ابن أبي شيبة وبعبارات تختلف عن التي ذكرها سابقاً ولكن المضمون نفسه وهي كالتالي: (وكيع الجراح، عن الأعمش، عن علي عليه السلام أنه قال: عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق) [3]. نلاحظ هنا إن القاضي النعمان ذكرها للمرة الثانية في كتابه ولكن بشكل مجزوء عن المرة الأولى. ويختلف الشيخ الصدوق[4] مع ابن أبي شيبة الكوفي بذكره للرواية إلا أنه لم يذكر الرواية كاملة من بدايتها فهي مجزوئه حيث القسم الذي ردده الإمام علي عليه السلام لم يذكره الشيخ الصدوق فيوردها كالتالي: (قال علي عليه السلام إنه لعهد النبي صلى الله عليه وآله الأمي إليَّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق). ويذكر الطبري الشيعي[5] الرواية دون سند فيوردها مجزوئه أيضاً بالشكل والمضمون التالي: (قال عليه السلام: عهد إلي النبي عليه السلام أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق).
ويذكر الشيخ المفيد[6] الرواية بثلاثة اسانيد مختلفة عن بعضها إلا أنه يتفق مع المضمون والمعنى ولكنه يذكر في أول الروايتين حادثة صعود الإمام علي عليه السلام المنبر ثم اطرائه الحديث وهذا هو الاختلاف مع ما سبق من ذكر للرواية، هذا جانب أما الجانب الآخر وحسب ما ذكره الشيخ المفيد نستدل على أن الإمام قد تكلم بهذه المنزلة أمام جمهور عديد من الناس باعتباره معتلي المنبر.  حيث يذكر: (ما جاء من الخبر بأن محبته عليه السلام علم على الإيمان وبغضه علم على النفاق: ... عن زر بن حبيش قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر، فسمعته يقول: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي صلى الله عليه وآله إليَّ أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)). وأيضاً يذكر: (أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال: حدثنا جعفر بن سليمان قال: حدثنا النضر بن حميد، عن أبي الجارود، عن الحارث الهمداني قال: رأيت عليا عليه السلام جاء حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (قضاء قضاه الله عز وجل على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وآله أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق، وقد خاب من افترى). وأيضاً يذكر: (... عن زر بن حبيش، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ( عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)). وتذكر بعض المصادر[7] الرواية بأسانيد مختلفة إلا أنها تتفق مع مضمون النص.
ويذكر ابن البطريق[8] الرواية بسنده: (عن زربن بن حبيش قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وآله إليَّ أنه لا يحبني الا مؤمن، ولا يبغضني الا منافق). إن المنافق قد أخبر الله سبحانه بحاله في الآخرة وجعله أكثر أهل النار عذابا فقال سبحانه وتعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}[9]. وإذا كان حب علي عليه السلام علامة على كون محبه مؤمنا وبغضه علامة على كون مبغضه منافقا فقد اتضح لنا طريق الجنة بدليل صحيح من قبل النبي صلى الله عليه وآله الذي قال الله تعالى في حقه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [10]. وطريق النار أيضا من قبل الله سبحانه وتعالى من حيث جعل ما اتى به رسول الله صلى الله عليه وآله ونطق به بوحيه تعالى وقال تعالى له صلى الله عليه وآله {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}[11].
فلما أثبت سبحانه وتعالى ان قول رسول الله صلى الله عليه وآله بوحي منه تعالى قال تعالى عز وجل {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [12] يدل على أن حبه يدخل الجنة، لأن علامة الايمان حبه على ما قد بيناه من هذه الأحاديث كما دل بغضه على أن مبغضه يكون منافقا ومع كونه منافقا فهو في الدرك الأسفل من النار. فقد ثبت ان أحدنا يعلم في حال الدنيا أهو من أهل الجنة أو هو من أهل النار. بدليل صادق لا يحتمله التوسع ولا المجاز، فصار ذلك حقيقة في طريق الهداية والضلال بما قد تضمنه القرآن المجيد الصريح والخبر المتواتر الصحيح. وهذا غاية في وجوب الاقتداء ونهاية في خلوص الاصطفاء، ثم لم تكن محبته طريق الهداية الا عن أصل صحيح وهو أن الله تعالى يحبه ورسوله صلى الله عليه وآله يحبه أيضا، فلذلك أمرنا بمحبته عليه السلام، فمحبة الله له اجتباء، ومحبة الرسول صلى الله عليه وآله له اصطفاء ومحبة الأمة له اقتداء، ولذلك صار المحجة الواضحة في نجاة التابع والحجة الموضحة عن ضلال الزايغ.
ونرى من خلال التحليل السابق أن الله سبحانه وتعالى قرن الإيمان بحب أمير المؤمنين والنفاق ببغضه وهنا تتضح منزلته العلية والجلية (صلوات ربي ورضوانه وسلامه عليه)[13].

الهوامش:
[1] المصنف، ج7، ص494.
[2] شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، د- ط، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم المقدسة، د - ت)، ج2، ص573.
[3] شرح الأخبار، ج3، ص447.
[4] محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 381هـ)، عيون أخبار الرضا عليه السلام، تصحيح وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، ط1، مؤسسة الأعلمي، (بيروت - لبنان)، (1404هـ - 1984م)، ج2، ص65.
[5] محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي (ت اوائل القرن الرابع)، المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (، تحقيق: الشيخ أحمد المحمودي، ط1، مؤسسة الثقافة الإسلامية، (طهران - 1415هـ)،  ص268.
[6] أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت413هـ)، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث، ط2، دار المفيد للنشر والطباعة والتوزيع، (بيروت - 1993م)، ج1، ص39؛ الكراكجي، أبو الفتح محمد بن علي (ت449هـ)، كنز الفوائد، ط2، مكتبة المصطفوي، (قم - 1369 هـ)، ص225.
[7] النسائي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، تحقيق: محمد هادي الأميني، د- ط، مكتبة نينوى الحديثة، (طهران، د- ت)، ص104؛ أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى التميمي (ت307 هـ)، مسند أبو يعلى الموصلي، تحقيق: حسين  سليم، د- ط، دار المأمون للتراث، (دمشق، د- ت)، ج1، ص347؛ ينظر: ابن المغازلي، أبي الحسن الواسطي (ت483هـ)، مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام، ط1، انتشارات سبط النبي، (إيران - 1426هـ)، ص161؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج42، ص60؛ ابن حبان، علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت 739هـ)،
 صحيح بن حبان، تحقيق: شعيب ا لأرنؤوط، ط2، مؤسسة الرسالة، (د- م، 1414هـ)، ج15، ص367.
[8] يحيى بن الحسن الأسدي الحلي (ت 600هـ)، عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار، د- ط، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم - 1407هـ)، ص218.
[9] سورة النساء، آية: 145.
[10] سورة النجم، آية: 3-4.
[11] سورة الانعام، آية: 50.
[12] سورة الحشر، آية: 7.
[13] لمزيد من الاطلاع ينظر: أخبار الإمام علي بن ابي طالب في كتاب المصنف لابن ابي شيبة الكوفي: تأليف محمد سعدون عبيد العكيلي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 101-104.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2759 Seconds