الباحث: سلام مكي الطائي
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله تعالى على نبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن المتتبع لكتب الحديث الواردة عن الرسول(صلَّى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) يجدها قد زخرت بالأحاديث التي تنهى المرء المؤمن عن الاقتراب من النفاق والمنافقين؛ لكونه كالأمراض النفسية التي تسري في بدن الانسان الذي يكون قليل الإيمان.
ففي هذا الشأن قال الإمام علي(عليه السلام) في إحدى خطبه التي يصف فيها المنافقين، قال: ((...وَأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ اَلنِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ اَلضَّالُّونَ اَلْمُضِلُّونَ وَاَلزَّالُّونَ اَلْمُزِلُّونَ))([1]).
فنجده(عليه السلام) يحذرنا من المنافقين؛ لأنهم يشكلون خطراً على الامَّة الاسلامية، وإنَّه يصفهم بالضالين عن الحق والمضلين، وكذلك يصفهم بالزالين عن طريق الصواب وعن جادة الحق، وبعد ما جاء من ذكر الآيات والآثار في ذمّ النّفاق يتبين انّه من المهلكات بل هو اشدّ من الكفر من بعض الوجوه.
فلا بدّ لك من أن تعلم أنّ النّفاق؛ كما قلنا هو مخالفة السّر والعلن سواء كان في الإيمان أو في الطَّاعات، أو في المعاملة مع النّاس، وسواء قصد به طلب الجاه والمال أم لا وعلى هذا فهو اعمّ من الرّياء مطلقا([2]).
وقال(عليه السلام) في الخطبة نفسها بأن المنافقين: ((يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً وَ يَفْتَنُّونَ اِفْتِنَاناً))([3]).
فنراهم يتلونون بوجوهٍ عديدة في التعامل مع الناس؛ فيتعاملون مع شخصٍ بطريقةٍ ووجهٍ يختلف عن الطريقة والوجه الذي يستعملونه في التعامل مع الشخص الآخر؛ فنجدهم متغيرين غير ثابتين في مواقفهم اتجاه الآخرين.
ومن هذ الوجوه الذي يتخذها المنافق هي: بأن يمدح أخاه المسلم إذا حضر ويظهر له المحبة والنصيحة، ولكن نراه سرعان ما يتغير وجهه هذا ويحدث العكس إذا غاب عنه؛ فنراه يذمه ويؤذيه بالسب ونسبته إلى الظالمين، وهتك عرضه وإتلاف ماله وغير ذلك.
وإذا كان هناك خلافٌ بين اثنين لا يسعى إلى حل الخلاف، بل ويتكلم لكل واحد بكلام يوافقه، ويحسن لكل واحد منهما ما هو عليه من المعاداة مع صاحبه ويمدحه على ذلك، أو يعد كل واحد منهما أنه ينصره، أو ينقل كلام كل واحد إلى الآخر؛ فتتأزم الأمور بينهم، فبهذا التلون واختلاف الوجوه في التعامل مع الآخرين، ممكن أن يكون سبباً في الفتنة والخلاف بين مجموعة من الأفراد.
وهذا ينتج من خللٍ يشعر به الفرد في داخله، وممكن أن نقول كما اسلفنا في البداية أنّهَ النفاق والتلون، ينتج بسبب مرض نفسي أو بسبب عدم استقرار الحالة النفسية للفرد، أو هذا ممكن ان يكون ناتجاً من سوء التربية الصحيحة على التعاليم والأخلاق الاسلامية.
وإن هذا الشخص الذي يكون له وجهان ولسانان في الحديث وفي المعاملة مع الآخرين؛ فسَيُعذب يوم القيامة على فعله هذا، وهذا ما ذكره الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في وصف حال المنافق الذي يحمل أكثر من وجه ولسان في الحديث، إذ يقول (صلى الله عليه وآله): ((من كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة))([4]).
وكذلك وصفه(صلَّى الله عليه وآله) أنَّه من أشر الناس هذا الذي يحمل أكثر من وجه مع الآخرين، إذ أنَّه قال: (صلى الله عليه وآله): ((تجدون من شر عبد الله يوم القيامة ذا الوجهين: الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه))([5]).
وأيضاً من وصفه(صلى الله عليه وآله) للمنافق الذي يحمل صفة الكلام المتغيِّر ويحمل أكثر من وجه في التعامل، إذ أنَّه قال: (صلى الله عليه وآله): ((يجيئ يوم القيامة ذو الوجهين دالعاً لسانه في قفاه، وآخر من قدامه يلتهبان ناراً، حتى يلتهبان خده، ثم يقال: هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين وذا لسانين، يعرف بذلك يوم القيامة))([6]).
وختاما فقد حذرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) من هذا المرض الذي يأخذ بصاحبه للخزي في الدنيا والآخرة لما، لأن عمله يشكل خطرا على الناس بصورة عامة لما يحدث من مشاكل تؤدي إلى التفرقة والفتنة.
نسأل الله تعالى أن يبعدنا عن هذه الصفة الذميمة، ويرحمنا برحمته الواسعة.
الهوامش:
[1]نهج البلاغة، خطب الإمام علي(عليه الصلاة والسلام)، ج2، ص166.
[2]مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة، محمد تقي النقوي، ج4، ص507.
[3]ينظر: جامع السعادات، ملا محمد مهدي النراقي، ج2، ص318.
[4]جامع السعادات، ملا محمد مهدي النراقي، ج2، ص319.
[5]المصدر نفسه.
[6]المصدر نفسه.