النفاق بين الوصف والمعالجة عند الإمام علي (عليه السلام)
الباحث: الشّيخ سجاد عبد الحليم الرّبيعي
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصَّلَاة والتَّسليم على طبيب نفوسنا وحبيب قلوبنا مُحَمّد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته وصحبه المنتجبين.
من العناصر التي تميز الحق من الباطل بروز ظاهرة النفاق والمنافقين، والنفاق: هو القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد، أو هو الذي يستر كفره ويظهر إيمانه[1]، منه قوله تعالى:﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾[2]. ومن أطلاقات النفاق في القرآن .
1ـ مرض القلب، قال تعالى:﴿في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾[3]، أي نفاق.
2 ـ الطغيان والعصيان والاستكبار ، قوله تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [4] ، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾[5].
3 ـ الكذب والرياء والتكاسل: ﴿ إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾[6]. وقال تعالى ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [7].
4 ـ القلق النفسي: قال تعالى﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾[8]. وهناك صفات أخرى ذكرها القرآن الكريم نتركها لعدم الاسهاب.
ويتمثل مفهوم النفاق عند أمير المؤمنين (عليه السلام) كظاهرة اجتماعية سيئة ممجوجة، تقود الفرد إلى التعامل مع مجتمعه بشخصيتين متناقضتين، لأن ما يعبر اللسان عنه، يختلف تماما عمّا يضمره في داخله، فيكون الكذب هو أساس المعاملة بين مختلف فئات المجتمع، فتنعدم روح الإخلاص فيما بينهم، أما لرهبة، أو رغبة، فيترتب على ذلك غربة المصلحين وضياع جهودهم، بغلبة الرياء والمداهنة، وقد اكتوى أمير المؤمنين(عليه السلام) بذلك فجسده نقدا عنيفا في قوله(وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَان الْقَائِلُ فِيهِ بالْحَقِّ قَلِيلٌ، وَاللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ، وَاللاَّزِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ، أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ، مُصْطَلِحُونَ عَلَى الادْهَانِ، فَتَاهُمْ عَارِمٌ، وَشَائِبُهُمْ آثِمٌ، عَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ، وَقَارِئُهُمْ مُمَاذِقٌ، لايُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ، وَلاَ يَعُولُ غَنيِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ)[9]. ومجتمع بمثل تلك الصفات، جبل أفراده على الاعمال السيئة، والصفات الرديئة، يفتقر إلى الحب والاحترام والتعاون، وتبنى العلاقات فيه على المداهنة والغش والبغض لابد أن يكون خلوا من روح التكافل الاجتماعي.
فلذا يحذر(عليه السلام) من غلبة النفاق وبروز ظاهرة العصيان وانعدام الرحمة في المجتمع، فعبر عنه بقوله:( وَأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ، فَإِنَّهُمُ: الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ، وَالزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ، يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً، وَيَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً، وَيَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَاد، وَيَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَاد قُلوبُهُمْ دَوِيَّةٌ، وَصِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ يَمْشُونَ الْخَفَاءَ، وَيَدِبُّونَ الضَّرَاءَ. وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ، وَقَوْلُهُمْ شِفَاءٌ، وَفِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ حَسَدَةُ الرَّخَاءِ، وَمُؤَكِّدُوا الْبَلاَءِ، وَمُقْنِطُوا الرَّجَاءِ. لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيق صَرِيعٌ، وَإلى كُلِّ قَلْب شَفِيعٌ، وَلِكُلِّ شَجْودُمُوعٌ. يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ، وَيَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاء. إِنْ سَأَلُوا ألْحَفُوا، وَإِنْ عَذَلُواكَشَفُوا، وَإِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا. يتقارضون: كل واحد منهم يثني على الاخر ليثني الاخر عليه، كأن كلاً منهم يسلف الاخر دَيناً ليؤديه إليه. قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلاً، وَلِكُلِّ قَائِم مَائِلاً، وَلِكُلِّ حَيّ قَاتِلاً، وَلِكُلِّ بَاب مِفْتَاحاً، وَلِكُلِّ لَيْل مِصْبَاحاً. يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْسِ لِيُقيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ، وَيُنَفِّعُوا بِهِ أَعْلاَقَهُمْ يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ، وَيَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ. قَدْ هيّأُوا الطَّرِيقَ، وَأَضْلَعُوا الْمَضِيقَ فَهُمْ لُمَةُالشَّيْطَانِ، وَحُمَةُ النِّيرَانِ (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ([10].
الهوامش:
[1] ينظر: العين، الخليل الفراهيدي: 5 /178 .
[2] سورة البقرة، الآية:8 .
[3] سورة البقرة، الآية:10 .
[4] سورة التوبة، الآية:101 .
[5] سورة المنافقون، الآية:5
[6] سورة المنافقون، الآية:1 .
[7] سورة النساء، الآية: 142 .
[8] سورة التوبة، الآية:64 .
[9] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 2 /227 .
[10] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 2 /166 .