الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الْحَمْدُ لِلَّه كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وغَسَقَ، والْحَمْدُ لِلَّه كُلَّمَا لَاحَ نَجْمٌ وخَفَقَ.
أما بعد...
لم تكن الملازمة بين رسول الله وأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليهم) في عالم الدنيا فقط، وإنما هي ملازمة منذ عالم الأرواح فقبل أن يخلق الله سبحانه وتعالى الخلائق ابتدأ بهم ومن ثم ابتدأ بخلق الحجج ومن ثم الأنبياء والأولياء وسائر الناس.
فقد روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: ((كنت أنا وعليّ نوراً بين يدي اللَّه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلمّا خلق آدم (عليه السلام) قسّم ذلك النور جزئيين، فجزء أنا، وجزء عليّ))[1].
فبهذا نالوا الأولوية والأسبقية على الأنبياء وسائر الخلق إذ إن الله سبحانه وتعالى ابتدأ بخلقهم.
وتبين الرواية أيضاً أن النبي والوصي (صلوات الله وسلامه عليهم) خلقوا من نور واحد فهذه الملازمة كانت منذ عالم الأرواح.
وليكون هناك تمييز بين النبي (صلى الله عليه وآله) ووصيه (عليه السلام) قسم الله النور الى قسمين وهذا ما بينته بعض الروايات، إذ قال النبي (صلى الله عليه وآله): ((فلمّا خلق اللَّه آدم ركَّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شيء واحد، حتّى إذا افترقنا في صلب عبد المطَّلب، ففيّ النبوّة، وفي عليّ الخلافة))[2].
وفي خبر آخر قال (صلى الله عليه وآله): «فأخرجني نبيّاً، وأخرج عليّاً وصيّاً»[3].
فهذه الأرواح لتشابهها خلقها الله من نور واحد، لذا حينما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي نفسي فهذا لا شك فيه إذ إنهم خلقوا من جوهر واحد.
فعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((خلقت أنا وعلي من نور واحد، فمحبي محب علي، ومبغضي مبغض علي))[4].
فمن أحب النبي (صلى الله عليه وآله) صدقا بلا شك سينجذب قلبه إلى وصيه إذ أنه نفس محمد (صلى الله عليه وآله)، وهذا الأمر يجري مع المعصومين (عليهم السلام)، فقد خلقهم الله من نور واحد فمن أحبهم فقد أحب النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن أبغضهم فقد أبغض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن سلمان الفارسي قال: ((دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما نظر إلي فقال (صلى الله عليه وآله): يا سلمان إن الله عزّ وجل لن يبعث نبيا ولا رسولا إلا وله إثنا عشر نقيبا قال قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عرفت هذا من الكتابين قال يا سلمان هل عرفت نقبائي الاثنا عشر الذين اختارهم الله تعالى للإمامة من بعدي فقلت الله ورسوله أعلم فقال: يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعته فخلق من نوري عليا ودعاه فأطاعه فخلق من نوري ونور علي فاطمة ودعاها فأطاعته فخلق مني ومن علي وفاطمة الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه فسمانا تعالى بخمسة أسماء من أسمائه فالله تعالى المحمود وانا محمد والله العلي وهذا علي والله الفاطر وهذه فاطمة والله ذو الاحسان وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين وخلق من نور الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه من قبل أن يخلق الله تعالى سماء مبنية وارضا مدحية أو هواء أو ملكا أو بشرا وكنا أنوارا نسبحه ونسمع له ونطيع، قال فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما لمن عرف هؤلاء حق معرفتهم فقال يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم فوالاهم وتبرء عدوهم كان والله منا يرد حيث نرد ويكن حيث نكن فقلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهل إيمان بغير معرفتهم بأسمائهم وأنسابهم فقال لا يا سلمان...))[5].
فهذه الأرواح مطيعة منذ تلك العوالم لذا فضلها الله على سائر الخلق فمنذ عالم الأرواح وهم يسبحون الله ويقدسونه لا يفترون عن عبادته.
وهذه الرواية تعد أحد الأسانيد لحديث الكساء المروي عن فاطمة عن جابر بن عبد الله فالله سبحانه لم يخلق الخلق الا لأجل هؤلاء الأطهار.
فمن أحبهم أكرمه الله في دار الدنيا وله النعيم الأبدي في دار الآخرة، أما مبغضهم فقد أعد له سبحانه ناراً وقودها الناس والحجارة فنسأل الله أن لا يسلب منا هذا الحب والولاء للنبي والعترة (صلوات الله عليهم).
الهوامش:
[1] - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج9، ص171.
[2] - كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج1، ص87.
[3] - ينظر المصدر السابق، ج1، ص88.
[4] - الفضائل، شاذان بن جبرئيل القمي ( ابن شاذان )، ص96.
[5] - مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، المنسوب للإمام الصادق (ع)، ص63- 66.