من خصائص نهج البلاغة

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من خصائص نهج البلاغة

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 14-06-2021

6- القيادة العسكرية
الحلقة الأولى: تنظيم قطعات الجيش

بقلم: د. علي الفتال

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
من خلال قراءتي ((نهج البلاغة)) بتأملٍ وتأنٍ ورويَّة، وجدت في محتواه خصائص هي بمجموعها تشكل قوانين الحياة بمفاصلها الحيوية، وأنا بتحديدي تلك الخصائص لا يعني ذلك أنني توفرت على خصائص ((النهج)) كلها بل هي بعض ما تراءى لي بعد قراءتي المتأنية تلك. لذلك أطلقتُ عليها ((من خصائص))، والتبعيض هذا الذي دلّت عليه الأداة (مِن) يعني أن ثمة خصائص أخرى يضمها كلام علي عليه السلام فاكتفيت بالذي وجدت.

وإليك قارئي العزيز هذه الخصائص:
القيادة العسكرية، الحلقة الأولى: تنظيم قطعات الجيش.
في هذه الفقرة سنستعين بعيّنات من تنظيراته العسكرية خلال مدة حكمه القصيرة المتسمة بالحروب والتي اضطر إليها اضطراراً فضلاً عما كان يبديه من رأي عسكري لمن سبقه في قيادة الأمة الإسلامية.

قال عليه السلام لأصحابه في ساحة الحرب:
((…فقدّموا الدارع وأخِّروا الحاسر (أي: لابس الدرع ومن لا درع له)، وعضوا على الأضراس، فإنه أنبى للسيوف على الهام، والتووا في أطراف الرماح فإنه أموَرُ للأسنّة، وغُضّوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل، وراياتكم فلا تميلوها ولا تخُـلُّوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم والمانعين الذمار منكم، فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم، ويكتنفون حفافها! وراءها وأمامها، ولا يتأخرون عنها فيسلموها، ولا يتقدمون عليها فيفردوها، أجرأ امرؤ قرنه (أي: كفوء وخصم) وآسى أخاه بنفسه، ولم يكن قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه)).
في فقرة إشارات تاريخية نقلنا رأيه العسكري عليه السلام عندما استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه، يمكن الرجوع إليها، ومع ذلك نذكر الجزء الأخير من إشارته التي أخذ بها عمر، إذ قال الإمام عليه السلام مشيراً على عمر:
((…والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام وعزيزون بالاجتماع، فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب، واصِلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت (أي: خرجت) من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك)).

ومن وصيةٍ له عليه السلام وصى بها جيشاً بثه إلى العدو:
((فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبيل الأشراف (أي: المرتفعات) أو سفاح الجبال، أو أثناء الأنهار كيما يكون لكم ردءً ودونكم مرواً، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال (أي: أعالي الجبال) ومناكب الهضاب (أي: مرتفعاتها) لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أوأمن، واعلموا أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، وإياكم والتفرق، فإذا نزلتم فانـزلوا جميعاً، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعاً، وإذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفة (مثل كفة الميزان) ولا تذوقوا النوم إلا غراراً أو مضمضة)).

ومن وصية له عليه السلام لمعقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له قال:

((اتقِ الله الذي لابد لك من لقائه، ولا منتهى لك دونه، ولا تقاتلن إلا من قاتلك، وسِر البردين (أي: الغداة والعشي) وتحدّر بالناس ورفِّه بالسير، ولا تسر أول الليل، فإن الله جعله سكناً وقدّره مقاماً لا ضعناً، فأرح فيه بدنك ورو ظهرك، فإذا وقفت حين ينبطح السحر (أي: ينبسط)، أوحين ينفجر الفجر فسر على بركة الله، فإذا لقيت العدو فقف من أصحابك وسطاً، ولا تدنُ من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب، ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب البأس حتى يأتيك أمري، ولا يحملك شنانكم (أي: بغضاؤكم) على قتالهم قبل دعائهم والإعذار إليهم)).

ومن وصية له عليه السلام لعسكره قبل لقاء العدو بصفين:
((لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً، ولا تصيبوا معوراً (أي الذي أبدى عورته) ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم، فانهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول…))
ومن كلام له عليه السلام لأصحابه عند الحرب قال:
((لا تشدنَّ عليكم فرّة بعدها كرّة، ولا جولة بعدها حملة، وأعطوا السيوف حقوقها، ووطئوا للجيوب مصارعها، واذمروا أنفسكم على الطعن الدَعسـيّ (أي: الشديد) والضرب الطلحفي (أي: أشد الضرب) وأميتوا الأصوات فإنه طرد للفشل)). ([1]).

الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أضواء على نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية، د علي الفتال، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 269 - 272.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2767 Seconds