الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الخلق وآله الطيبين الطاهرين
أما بعد . . .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : (اَلْحَذَرَ اَلْحَذَرَ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ سَتَرَ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ)[1].
في هذه الحكمة يحذر الإمام (عليه السلام) بل يكرر التحذير من التمادي بالذنوب كون بعض الناس يذنب ولا يجد عقوبة تردعه، بل يجد في بعض الاحيان عكس ذلك من ستر وعافية، فيعتقد بهذا الستر أن الله لا يعاقبه على ذنوبه ولكنه لا يعلم أن ذلك هو من الإمداد في الطغيان قال تعالى: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[2].
وإن هذا التمادي بسبب الغفلة فمن مناجاة الله لموسى قال تعالى: يا موسى صرخ الكتاب إليك صرخا بما أنت إليه صائر فكيف ترقد على هذا العيون؟ أم كيف يجد قوم لذة العيش لولا التمادي في الغفلة والاتباع للشقوة والتتابع للشهوة ومن دون هذا يجزع الصديقون[3].
فإن كان الناس غافلين عن أعمالهم فالله سبحانه ليس بغافل وقد قال تعالى في محكم كتابه: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[4]، فمن لم يحذر من عقوبة الله ويستمر في المعاصي وتكرار الذنوب فلا بد من عقوبته، قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}[5].
عن سليمان الجعفري، عن الرضا (عليه السلام) قال: أوحى الله (عز وجل) إلى نبي من الأنبياء: (إذا أُعطِيتُ رَضِيت وإذا رَضِيتُ باركت وليس لبركتي نهاية وإذا عُصِيتُ غضبت وإذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الورى) [6].
وأما ستر الله فإن الله يستر على جميع خلقه كثيراً من المعاصي والفواحش ولكن من يتطاول في الذنوب ولا يكترث فإن الله إذا ستر عليه لا يعني أنه غفر له، فقوله (عليه السلام): (سَتَرَ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ) يقول الإمام كأنه غفر أي أنه تعالى لم يغفر له ولكن قد يكون ذلك إمداداً أو إمهالاً لكي يرجع الإنسان الى رشده، فقد روي عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (تعوذوا بالله من سطوات الله بالليل والنهار، قال: قلت له: وما سطوات الله؟ قال: الأخذ على المعاصي)[7].
وفي الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): (ما من عبد إلا وعليه أربعون جنة [8]، حتى يعمل أربعين كبيرة فإذا عمل أربعين كبيرة انكشفت عنه الجنن فيوحي الله إليهم أن استروا عبدي بأجنحتكم فتستره الملائكة بأجنحتها، قال: فما يدع شيئا من القبيح إلا قارفه [9]، حتى يمتدح إلى الناس بفعله القبيح، فيقول الملائكة: يا رب هذا عبدك ما يدع شيئا إلا ركبه وإنا لنستحيي مما يصنع، فيوحي الله (عز وجل) إليهم أن ارفعوا أجنحتكم عنه فإذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت فعند ذلك ينهتك ستره في السماء وستره في الأرض، فيقول الملائكة: يا رب هذا عبدك قد بقي مهتوك الستر، فيوحي الله (عز وجل) إليهم: لو كانت لله فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه)[10].
فعلى الانسان أن يحذر من مكر الله، وان يتوب من كل ذنب، لأن الله يمهل الانسان لكي يتوب، وإلا قد يصل الانسان الى ما وصل اليه ابليس حيث استدرجه سبحانه حتى وصل الى حد اللعنة، فروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا أراد الله بعبد خيرا عجل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد الله بعبد سوءا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة)[11].
وفي الختام نسأل الله حسن العاقبة والتوفيق في طلب التوبة والمغفرة.
الهوامش:
[1]- نهج البلاغة – تحقيق محمد عبده: 4/ الحكمة 29 / 507
[2]- سورة البقرة: 15
[3]- الكافي : ج5 /48
[4]- البقرة: 85
[5]- ال عمران: 28
[6]- الكافي : ج2 / 275.
[7]- الكافي :2 / 269
[8]- قال الطريحي: والجنة بالضم و التشديد: السترة ما تسترت به . مجمع البحرين : ج6 / 230
[9]- اقترف الذنب : اتاه وفعله . وقارفه : قاربه .
[10]- الكافي: 2 /279
[11]- الخصال، الشيخ الصدوق:20.