بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
لا شك إننا ومهما جهدنا فلن نستطيع القطع بمقصدية المعصوم (عليه السلام) في قوله الذي بعثه الى معاوية ، ولذا كان منهجنا المقاربة لمقاصدية النص بحسب ما يفرضه المنهج التداولي وفقه اللغة.
ومن هنا:
لن نتوصل الى قطعية القول في المقاصدية التي ابتغاها الإمام عليه السلام في أنه قصد بخير النساء البضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) كما قطع بذلك معظم الذين تلقوا النص وتفاعلوا معه.
إلا أنني وجدت أن الماقصدية في المقامية بين خير نساء العالمين وبين حمالة الحطب -ولا محل للتفاضل هنا بين المقامين- وإنما لإظهار تجسد الفضيلة في المقام الأول وهو (الخيرية) وتجسد الرذيلة في المقام الثاني وهو (الشرّيّة).
ومن ثم فالمقامان نقيضان كما هي سائر المقامات والشأنيات التي ذكرها منتج النص (عليه السلام) كمقام النبوة يقابله مقام التكذيب والدجل، ومقام التضحية في سبيل الله يقابله مقام محاربة الله تعالى وهكذا...
ونلاحظ هنا وبحسب السياق العام للنص أن مقام الخيرية يراد به أم المؤمنين السيدة خديجة (صلوات الله وسلامه عليها) وأن كان هذا المقام هو متلبس في كل حال بالبضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) إلا أن مقتضى السياق يرشد إلى أن القصدية في ذكر خير نساء العالمين هي مولاتنا أم المؤمنين السيدة خديجة (عليها السلام) وذلك لجملة من القرائن، منها:
إن مقامية الشرّيّة في حمالة الحطب هو محاربة النبي (صلى الله عليه وآله) .
تدور المقامات التي أوردها الإمام علي (عليه السلام) حول شخص النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)؛ فلا فضل ولا جاه ولا عزّة بعد النبوة، ولذا:
أول ما أبتدأ به الإمام علي(عليه السلام) كتابه هو مقام النبوة، فقال لمعاوية:
«أما بعد فقد اتاني كتابك، تذكر فيه إصطفاء الله محمداً (صلى الله عليه وآله) لدينه...»؛ إلى قوله (عليه السلام):
«إذ طَفِقْتَ تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا ونعمته علينا في نبينا».
ومن ثم فإن إحراز الفضائل والخير والشرف يكون عِبْرَ نصر النبي (صلى الله عليه وآله) والدفاع عن دعوته وشريعته.
وأن الشر كل الشر لمن وقف بوجه النبي (صلى الله عليه وآله) يحاربه خفية وجهاراً كما هو حال أبي جهل الذي عُرف بالكذاب، وعقبة بن أبي معيط وابنائه الذين دأبوا على حرب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)؛ ومنهم حمالة الحطب أم جميل بن حرب عمة معاوية، إذ (كانت تحمل حزم الشوك فتنشرها بالليل في طريق رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله ليعقره)[1].
ليقابلها في نصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) المصدّق الأول وهو الإمام علي (عليه السلام)، وأسد الله حمزة بن عبد المطلب، والسيدة خديجة (عليها السلام) التي دافعت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمال والنفس وجاهدت في نصره بكل ما تملك لتكون بذاك مثال الخيرية والفضيلة التي يقابلها مثال الشر والرذيلة النفسية.
ومما يدل على أن قصدية منتج النص في ذكر هذا المقام -أي الخيرية- هي أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) لتقابلها من البيت الأموي في مقام الشرّيّة العوراء عمة معاوية وأخت أبي سفيان بن حرب.
فكل منهما كان يدور حول شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذه بذلت نفسها وما تملك في نصر دين الله ورسوله الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وتلك بذلت ما تملك - وإن قل وهو الحطب لكنه عظيم الذنب - في محاربة دين الله وايذاء رسوله (صلى الله عليه وآله).
أذن:
السياق يقتضي مقاربة القصدية عند منتج النص (عليه السلام) في «خير النساء» هي أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) ومما يدل عليه ويعززه أتصاف أم المؤمنين خديجة الكبرى في الاحاديث النبوية الشريفة بالخيرية ليقابله شهرة وحضوراً صفة سيدة نساء العالمين لسيدتنا ومولاتنا البضعة النبوية فاطمة (صلوات الله عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها) وإن كانت محصلة لمقام الخيرية كما هو حال أمير المؤمنين خديجة (سلام الله عليها) فهي محصلة ومحرزة لمقام السيدية والأفضلية كما نصت عليها الأحاديث الشريفة وهو ما سنتناوله في المقال القدم([2]).
الهوامش:
[1] شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج4 ص441.
([2]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ص 158 - 161.