من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: 1- ألفاظ وسائط النقل (الإبل وما تعلق بها): (دَبَرَ) ((الظَّالِعِ)) قال عليه السلام: (ولْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ والظَّالِعِ)

مقالات وبحوث

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: 1- ألفاظ وسائط النقل (الإبل وما تعلق بها): (دَبَرَ) ((الظَّالِعِ)) قال عليه السلام: (ولْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ والظَّالِعِ)

942 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 27-03-2023

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وازل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:
قال عليه السلام: ((ثُمَّ احْدُرْ [1] إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ، نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللهُ بِهِ.فَإِذَا أَخذَهَا أَمِينُكَ فَأوعِزْ إِلَيْهِ: أَلاَّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَة وَبَيْنَ فَصِيلِهَا... وَلْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ[2] وَالظَّالِعِ...)).
أصل الظَّلُع المَيْل في المشي[3]، والظّلْع الغَمْز في الرِّجْل. من العرج وغيره[4]. والظّلاع داء يأخذُ في قوائم الدّواب والإبل من غيرِ سيرٍ ولاَتَعَب؛ فَتَظُلعُ منه[5]. وقد وردت لفظة (الظَّالِعِ) مرة واحدة في نهج البلاغة بصيغة اسم الفاعل، في حين جاءت مفردة (ظَلْعِك) بصيغة المصدر مرة واحدة أيضاً[6]، للدلالة على ما يأتي:

أولاً: الدلالة على البَعِيْر الذي يَغْمِز في مِشْيَتِه.
 وجاءت هذهِ الدلالة في سياق نصح الإمام لبعض عماله على الصَّدقات، يأمرهُ بعدة أوامر على سبيل التوجيه الارشاد في طرق جباية الحقوق الشرعّية. ومنها قوله ((... ثُمَّ احْدُرْ [7] إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ، نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللهُ بِهِ.فَإِذَا أَخذَهَا أَمِينُكَ فَأوعِزْ إِلَيْهِ: أَلاَّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَة وَبَيْنَ فَصِيلِهَا... وَلْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ[8] وَالظَّالِعِ...))[9]. فأمره أن يُنْزِل أو يُرسِل اليه ما اجتمع عنده من الصدقات، التي ينبغي أنْ تكون بيد الأَمِيْن الحافظ لأمانته، الذي يُرْسل بالصدقات، فطلب أمير المؤمنين (عليه السلام) إليه أن يَتَأنَّ. حينما يسوق الدَّواب؛ لأنّ فيها ما نَقب خُفُّه حتى لا يكاد يطأ  الأرض بقدمه، ومنها ما يغمز في مِشيَتِه [10]، حتى صار يَعْرُج [11]. والذي يَغْمُز من الإبل يُبْطِيء في سَيْرِه ولا يُسْرِع. وربما دَلَّت المفردة المتقدمة التي استعملها الإمام على (الظُلاَعِ) من الإبل، وهي الجِمَال التي أُصِيْبَت بداءِ الظُّلاَعِ الذي يصِيب قوائم الإبل لا من سَيْرٍ، أو تَعَبٍ، فَتَظْلُع [12].

ثانياً: الدلالة على الغَمْزِ والمَيْلِ في النَّسَبِ والمكانة الاجتماعية.
وقد وردت هذه الدلالة في سياق كتابِ الإمام إلى معاوية جواباً على كتاب وصله منه. يقول الإمام في كتابه في مقام ذَمِّ معاوية وتَحْقِيره: ((أَلاَ تَرْبَعُ[13] أَيُّهَا الأنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ، وَتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ[14]، وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ...))[15]. وهذا المقطع من كلامه رَد على قول لمعاوية في تفضيل بعض النّاسِ على الإمام (عليه السلام)، وتقديم الفاضِل منهم على المفضول، وحكمه على المهاجرين والأنصار. فخاطبه الإمام، ذاماً له لأنّ مَنْزِلَتَهُ لا تسمح له بأن يكون حكماً في تفضيل المسلمين، وبيان مكانة كل واحدٍ منهم على الآخَر. فكتب له (عليه السلام) أن يَربع عند حدِّه، أي يقف ويَتَمَهّل. منزلاً إيّاه مَنْزِلَةَ الإبل التي تَظْلُع في مشيتِها وتَغْمِز من العَرَج[16]  وهو أصلاً عِلّةٌ في مَشْيِ الإبل، فاستعاره لوصف معاوية؛ للدلالة على غَمْزه  وسُوء مَنْزلته. وكونه ليس بالمكانة التي تُؤَهِّلُه إلى تصنيف المسلمين وبيان منازلهم. فضلاً عن عدم لَحَاقِهِ بأهل الفَضْلِ والمكانة، وهو بهذا الوصف كالبَعِير الظالِعِ الذي يَقْصر عن مساواة جماِعة الإبل ومجاراتهم في المشي[17]. وتعبير (تَرْبَع على ظَلعِكَ) تعبير دارج في ألْسِنَة العرب بكثرة، حتى جرى عندهم مجرى الأمثال. فقالوا: ((أرْبِع على ظَلْعِكَ))[18]. ومعناه: أِبقَ على غَمْزِك فإنّك ضعِيف، فَأنْتَه عّما لا تُطِيْقَه ولا تَتَكَلَّفَه[19]. وتوحي مفردة (ظَلْعِكَ) بدلالات أخرى في السياق المتقدم (فالظَّلْع) المَيْل، و (الظّالِعُ) المُتَّهَم. وهذهِ الدلالات تفيد في أنّه يريد الاشارة إلى مَيْلِ معاوية، واتهامه بالقصور وعدم بلوغ المنزلة التي تضعه حيث وضع الأئمة (عليه السلام)؛ لأنه كما يقول الإمام مُتَّهَم بكونه من (الطُّلَقَاءِ، وأبناءِ الطُّلَقَاءِ). وهو ما ينبغي أنْ يوقفه عند حدِّه. ولهذا خاطبه بقوله: ((... وَتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ، وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَر))[20].  وأراد بـ(قصور ذَرْعِك) عدم استطالة يدك، وقوّتك وعجزك عن تناول هذهِ الرتبة[21])[22].

الهوامش:
[1] الحَدْرُ منِ كل شيءٍ النزول من عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ. ينظر: تهذيب اللغة (صدد): 4/236.
[2] النَّقِب، نَقْب خُقِّ البَعِيْرِ. ينظر: لسان العرب (نقب): 1/765.
[3] ينظر: مقاييس اللغة (ظلع): 3/467.
[4] ينظر: العين (ظلع): 2/86.
[5] ينظر: المحكم (ظلع): 2/65.
[6] ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 282
[7] الحَدْرُ منِ كل شيءٍ النزول من عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ. ينظر: تهذيب اللغة (صدد): 4/236.
[8] النَّقِب، نَقْب خُقِّ البَعِيْرِ. ينظر: لسان العرب (نقب): 1/765.
[9] نهج البلاغة: ك/25: 483.
[10] ينظر: شرح نهج البلاغة (بن أبي الحديد): 15/119.
[11] النهاية في غريب الحديث: 3/158.
[12] ينظر: المحكم (ظلع): 2/65، والقاموس المحيط (ظلع): 1/963.
[13] تَرْبَع. أي تقف. ينظر: لسان العرب (ربع): 8/110.
[14] الذَّرع بالفتح الامتداد والوسع والطاقة. ينظر: مقاييس اللغة (ذرع) 2/50 والنهاية في غريب الحديث: 2/158.
[15] نهج البلاغة: ك/ 28: 488.
[16] ينظر: النهاية في غريب الحديث: 3/158.
[17] ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 4/243.
[18] المستقصى في أمثال العرب: 1/138، والقاموس المحيط (ظلع): 1/962.
[19] أنفسهما.
[20] نهج البلاغة: ك/ 28: 488، 489.
[21] ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 4/243.
[22] لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 28-31.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.4711 Seconds