بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
اما بعد:
استعمل الإمام (عليه السلام) هذا اللفظ مرتين فقط
ليدل على:
11) المعنى الحقيقي (المادي): جاءت لفظة (دينار) معرفة ب(ال) مرة واحدة في كلام الإمام (عليه السلام) في خطبة له في أصحابه وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلا: «لَوَدِدْتُ وَاللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَني بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ !»[1].
2) المعنى المجازي: وردت لفظة (دينار) منكرة مرة واحدة وذلك في قوله (عليه السلام): « في كتابه لشريح القاضي: « بَلَغَنِي أَنَّكَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثَمانِينَ دِينَاراً، وَكَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً، وَأَشْهَدْتَ فِيهِ شُهُوداً»[2]. والدِّيْنار فارسي مُعَرَّب، وأصله دِنَّار بالتشديد، مثل قيراط، بدليل الجمع (دنانير وقراريط)، فإذا كان هنالك صوتان متماثلان تماما في كلمة يتغير أحدهما إلى صوت من أصوات العلة الطويلة في الغالب، أو الى صوت مائع، فأبدلت النون الأولى ياءً[3].
وهو من الألفاظ المُعَرَبة فأصله يوناني، ديناريوس: أبدلت النون الأولى الى ياء وكثيرا ما يحول الحرف المُشدد في العربية إلى حرف سهل في اللفظ فأصله (دِنَّار)، على زنة (فِعًال) أبدلت الياء فيه من إحدى النونين؛ لِثِقل اللفظ بالنون المُشددة بدليل الجمع (دَنَانِير) دـِـ نـ / نـ ــَـَـ ر إبدال الألف من النون الأولى د ـِـــِ / نـ ـَـَـ ر إبدال بالقلب، وتصغيره (دُنَيْنير)[4].
قال ابن فارس: «الدال والنون والراء كلمة واحدة، وهي الدينار. ويقولون: دنًر وجه فلان، إذا تلألأ وأشرق ومن المجاز: ثوب مُدًنر: وشيه كالدينار، نحو مسهم ومرحل، فدَّنر وجهه: إذا أشرق» [5].
قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[6]
وأصله دِنًار فأبدل من إحدى النونين ياء، لئلا يلتبس بالمصدر الذي يجيء على زنة (فِعال)، وقيل أصله بالفارسية دينٌ ار، أي الشريعة جاءت به وهو وإن كان معربا فلم تعرف له العرب اسما غير الدينار، فصار كالعربي، وذكره الله تعالى في كتابه، لأنه خاطبهم بما عرفوا واشتقوا منه فعلا قالوا: رجل مُدَّنَر: كثير الدَّنانير، وقيل: وهو زنة إحدى وسبعين شعيرة ونصف شعيرة تقريبا، بناءً على أنَّ الدَّانق ثماني حبات، فالدينار ثمان وستون واربعة أسباع حبة، وهو المثقال[7])[8].
الهوامش:
[1] نهج البلاغة: خ 97، 99. وقد وردت في ص 94.
[2] ك 3، 270.
[3] ظ: التطور النحوي: برجشتراسر: 45 ـ 46.
[4] ظ: سر صناعة الاعراب: ابن جني: 757.
[5] مقاييس اللغة: 2 / 305.
[6] آل عمران / 75.
[7] ظ: المعرب: 187، وظ: المعجم الاقتصادي الاسلامي: 188.
[8]لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 155-157.