بقلم: الشيخ محسن المعلم
((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
وبعد:
التقوى عند الإمام:
ولقد أفاض في حديث التقوى فيما أفصح به لسانه أو خطه بنانه تعريفاً وتوصيفاً ودوراً وأثراً. وفيما يلي نماذج من تلكم المواطن:
التقوى ميزان التفاضل:
«وَلاَ تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى، وَلاَ تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْيَا»(([1])).
ولعمر الحق إنه ميزان الحق، ومقياس العدل، منهج الله في قرآنه، ميّز فيه عباده وفاضل بينهم {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} فلا أنساب ولا ألوان ولا أموال ولا جاه ولا دنيا، وإنما بالتقوى شرف من تحلى بها وامتاز عن سواه وفضل من عداه وإن أعتد وضيعًا مهينًا تقتحمه العيون وتحتقره الرجال ويضيق به أهل الدنيا)
الصحة والتقوى:
«وَأشدُّ مِنْ مَرَضِ الْبَدَنِ مَرَضُ الْقَلْبِ. أَلاَ وإِنَّ مِنْ صِحَّةِ الْبَدَنِ تَقْوَى الْقَلْبِ»([2]).
وقد عرض الإمام عليه السلام أولًا في صدر حكمته صورًا من البلاء والعناء، وتفاوت شدتها فقال: «أَلاَ وإِنَّ مِنَ الْبَلاَءِ الْفَاقَةَ وَأَشَدُّ مِنَ الْفَاقَةِ مَرَضُ الْبَدَنِ».
والقلب يمثل مركز الحياة ومحور البقاء سواء أريد بالقلب العضو الصنوبري فهو يمد البدن بالقدرة والحركة، أو أريد به العقل فمرضه مرض صاحبه وحامله وتعطيل حيويته وموت نشاطه وإن عد في الأحياء.
الصلاة والتقوى:
«الصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ»([3]).
فالعبادات تعني خضوع العبد الذليل للرب الجليل، وكل من أصنافها يمثل دورًا مهماً له شأنه وخاصيته.
والصلاة عبادة مميزة يتجلّى أسمى خضوع وانقياد، وفكر واعتقاد، في مفتتحها وختامها وما بينهما من تلاوة قرآن، وقراءة أذكار وأفعال وحركات.
وهي وجه الإسلام ومعراج المؤمن، وخير موضوع وأفضل ما يتقرب به المتقربون إلى الله تعالى فلا غرو لو كانت قربان كل تقي فهي {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ}([4]).
ولو بعض التقى:
«اتَّقِ اللهَ بَعْضَ التُّقَى وَإِنْ قَلَّ، وَاجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ سِتْراً وَإِنْ رَقَّ»([5]).
ولاشك أن التقوى حقيقة تامة وكلٌ لا يتجزئ {اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ([6])، إلا أن وميض النور يمكن أن ينبعث فيشعّ نوراً في قلب حامله ووجدانه فيرجى خيره، ويستدرك ما فرط من تقصيره ويتوب ويؤوب ويستأنف العمل بعدما يخالطه الوجل فينتقل إلى خير مرتحل فهو مدعاة للخير ورجاء الإيمان وأمل الالتزام ومعقد الحياء والتراجع.
وإذا ما هتك السر وجاهر بالمعاندة فقد تعرض للسخط والطرد من حمى الرب وأستولى اليأس وذلك هو الخسران والكفر المبين وبالله المستجار وبه المعاذ([7]).
الهوامش:
([1]) خ 191 /284.
([2]) م 388 /544-545.
([3]) م 136 /494.
([4]) سورة العنكبوت /45.
([5]) م 242 /511.
([6]) سورة آل عمران /102.
([7]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص156-158.